ومع أن الخادمات هن حقيقة بشر مثلنا وبنفس تكويننا وطاقتنا ولديهن ذات المشاعر والعواطف والغرائز التي تحملها الأنثى، وجئن من بيئات ومكونات ومعتقدات مختلفة إلا أن الكثير من السيدات اللاتي وهبهن الله هذه النعمة يعتبرونهن كائنات فضائية مسلوبة من كل شيء، وبالرغم من أن خادمات هذا الجيل 2020 يختلفن عن السابقات في الخصائص والخضوع والمطالب كبقية الاختلافات التي طالت كل شيء، إلا إن التعامل الذي يلقينه لم يختلف لدى الكثيرين حتى الآن فمن تصر حتى الآن بعدم أحقية الخادمة في الحصول على جوال وتريد أن تبقيها على تواصل مع أهلها برسائل البريد! فهي مخطئة ومن تطلب من خادمة هذا الجيل أن تكون عاملة ومربية وطباخة وممرضة فهي مخطئة لأنها لن تقبل.. لذا فإن تغير الحياة وتسارع وتيرتها ليس حكرا علينا بل طالهن أيضا.
وأنا أفكر في هذا الكائن البشري «الخادمة» وكيف تقوى بل ترضى بهذا العمل المذل المرهق تخيلت نفسي خادمة! فوجدت نفسي أصحو الساعة السادسة وأنا أسابق عقارب الساعة لأنتهي قبل أن تقوم سيدتي، والتي ستغضب إن لم أنتهِ من التنظيف وغسيل الملابس قبل نهوضها تنفست الصعداء مع آخر غرفة نظفتها في الطابق العلوي، لأنطلق للأسفل وأعد إفطار سيدتي التي وجدت قليلا من الغبار على الطاولة فوبختني عليه، وأقسمت أن تنقص من راتبي إذا كررت ذلك، أردت أن أخبرها بأن الغبار كان تحت الكتاب الذي أقسم ابنها إن حركته ليعاقبني، وذهبت مكسورة لإعداد الغداء الذي لم يكن صنفا واحدا ولأن القدور تشابهت علي فقد وضعت الملح في قدر سيدي الذي لا يتناول الملح ! فانقلب ذلك اليوم نكالا ووبالا.
نسيت أن أفطر أو أتغدى فأخذت قليلا من الرز خلسة إلى غرفتي فشاهدني الابن الصغير وركض نحو أمه يخبرها بسرقتي ! جاءتني وفتشت غرفتي لتبحث عن السرقة المزعومة ثم حلفت أيمانا أن لا آكل من بيتهم، فأخذت مالا واتصلت على السائق كي يحضر لي بعض الأغراض والأطعمة ويعطيني إياها خلسة ! فشاهدتني البنت الكبرى من نافذتها وقامت قيامتي وتم تسفير السائق ! بكيت كثيرا دون أن يهتم بي أحد وليس لدي جوال أكلم أبنائي الذين اشتقت لهم فسيدتي عاقبتني بأخذه وليس مسموحا لي أن أطل من النافذة أو أحدث خادمة الجيران حتى لا تفسدني ! بالرغم من أن صديقة سيدتي دائما تأتي تلقي عليها رسائل التخبيب والمكر !
جاءت الساعة الثانية عشرة مساء وضعت جسمي المرهق على فراشه المثقل بالألم والتعب والشوق لأبدأ يوما جديدا لا يختلف عن سابقه !!
آه ! صحوت من هذا الكابوس المخيف وحمدت الله -عز وجل- أن لم أكن خادمة، وخلصت من تجربتي بضرورة إلزام أرباب البيوت بالحصول على دورة تهيئة للتعامل مع الخدم متضمنة حقوقهن وواجباتهن والتأكيد على بشريتهن ! وصدق المصطفى الكريم حين قال «إخوانكم خولكم جعلهم الله بين أيديكم فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم».
@ghannia