أجل، يسكن الفساد المجتمعات كلها ولكنه يستوطن في البيئات المهيأة والصالحة لنموه كالمجتمعات الفقيرة أو المنغلقة، وبالطبع لا يهم إن كان المجتمع على درجة من التدين أو التعليم فهذا النوع من العمليات المجرمة، تأتي بالذات من الأنفس التي تتوق للسلطة لجعل كل شيء تحت سيطرتها، أو التي تتوق للمال والرفعة، أو التي تتوق للخروج مما هي فيه مهما كان ما ترتكبه من أخطاء لتخلق لها الفرص، لذا قد نجد الفساد كسوة يلبسها الغني والمسؤول قبل أي فئة محتاجة أخرى.
إن الله سبحانه وتعالى خالق النفس البشرية يعرف مدى ضعفها وميلها للفساد لذا ومن الأمور التي تستدلنا على ذلك إنه سبحانه شرع للقائمين على الصدقات بقوله عز شأنه «والعاملين عليها» أن يكون لهم نصيب منها سواء كانوا فقراء أو أغنياء، ذلك لأن النفس البشرية مهما كانت متدينة أو مقتدرة ماليا هي في حالة من الضعف الذي يجعلها تأخذ حقا ليس حقها بالذات إن كانت تشرف عليه.
الفهم للفساد في مجتمعاتنا محدود للغاية، فمجتمعنا من المجتمعات المحافظة والمنغلقة والمتسترة، وحتى عملية التستر فيها أخطاء، ذلك ما جعل مفهوم الفساد لدى العامة متداخلا، وحتى حين يجزم به شاهد عيان فإن خوفه من مصارعة الكبار يجعله يتراجع ليستمر شر الفساد، هذا ما يقوض عملية مكافحته، لذا فإن عملية مكافحة الفساد تحتاج بالدرجة الأولى إلى وعي مجتمعي وضمانات بالمعاقبة وتمكين الأفراد بجعلهم شركاء في العملية، فكلنا مسؤولون وكلنا شركاء والولاء للوطن هو أسمى الأهداف، ويمكن تسهيل العملية بنشر مكاتب وأرقام اتصالات في متناول الجميع، وهو الأمر الذي شرع فيه عدد من الدول العربية، وتميزت فيه السعودية.
على الرغم من تمتع دول الخليج بمعدل أقل من نظيراتها في المنطقة العربية، فإنك حين تسافر لدولة عربية سترى كم نحن نعيش حياة أفضل من غيرنا بقيم وأعراف مجتمعية ورعاية حكومية، وحين ترى أفلاما غربية بالذات القصص الحقيقية ستعرف أن هناك نوعا من الفساد يكمن في القوانين والتشريعات ذاتها وهي التي تجانب الإنصاف وإظهار الحقائق، وعليه فإن دول الخليج التي تقدمت في قائمة منظمة الشفافية العالمية للعام الماضي أتوقع أن تواصل تقدمها، في التقرير للمنظمة الذي من المنتظر صدوره خلال الأسبوع القادم، ولنا متابعة.
@hana_maki00