من يقرأ قصص الناجحين من رجال المال والأعمال يجد حرصهم على جمع المال والحرص على الترشيد والانفاق فيما رزقهم الله من فضله العامل المشترك، لذا لا يمكن أن نجد من كون ثروته من عرق جبينه في مضمار الهياط ينثر أمواله ميمنة وميسرة، ولا يمكن أن نراه في مزادات الأرقام المميزة سواء كانت تلك الأرقام تخص لوحات مركباتهم أو أرقام جوالاتهم.
والحديث فيما يلي عام ويحدث محليا وإقليميا وعالميا فلسنا بمعزل عن العالم وفي ذات الوقت بعيد عن التعميم عندما نجد بعض أبناء وأحفاد رجال الأعمال ليس لديهم نفس الحرص في التعامل مع الثروة، فمن وجد نفسه منعما منذ نعومة أظافره ومحاطا بالخدم والمربين والمربيات وكل متطلباته متوافرة دون عناء، لن يجد قيمة للمال ولا يهمه كم ينفق في سبيل الترفيه والترحال والحصول على المقتنيات ولن يجد صعوبة أو ترددا أن يدفع تذكرة حفلة غنائية بعشرات الألوف ومن المستحيل أن نجد في ذات الحفل الآباء ممن قضى سنوات حتى يكون ثروته، ومن القصص حول المفارقة في حرص الآباء وإهمال الأبناء القصة التي تروى عن السيد هنري فورد أن ماسح الأحذية (أكرمكم الله) كان يلاحظ الفرق الشاسع بين ما يقدمه الابن وما يعطيه الأب (فورد) مقابل تنظيف وتلميع الأحذية، وعندما استغرب الشاب ماسح الأحذية الفرق الكبير في العطاء، قال مخاطبا السيد فورد ما تقدمه لي مجرد (بنسات) هللات - بينما ابنك يجزل في العطاء، رد عليه بهذه الجملة التي تعد نبراسا (ابني يعطيك بسخاء لأن والده هنري فورد) بمعنى أنه أتى إلى هذه الدنيا ووجد كل ما يريد بين يديه دون عناء لأن الأب رجل ثري، بينما الأب بدأ سلم النجاح والكفاح درجة درجة ويعي جيدا قيمة كل دولار!
بعد هذا الحوار بين السيد فورد وابنه، تخيلت السيناريو التالي، إننا أمام شركة راعية للحفلات والمهرجانات أرادت أن تحيي حفلا في مدينة من المدن وكان لديهم طموح كبير لتحقيق أرباح كبيرة لأن أكبر عدد من رجال الأعمال وهوامير البلد في تلك المدينة، وبدأت رحلة الاستعداد للحفل من خلال طباعة المطويات (بروشورات) وبها كل التفاصيل عن الحفل وبعد ذلك تم توظيف مسوقين مبدعين ولديهم مهارات خلاقة في فنون التشويق للتسويق، ولكنهم للأسف لم يوفقوا في إقناع (الهوامير) للحضور، وبينما كان المسوقون والمنظمون في حيرة من أمرهم من خيبة الأمل التي جنوها من رفض رجال الأعمال لشراء التذاكر، تم تغيير بوصلة التسويق من أسلوب ورقي قديم إلى أسلوب تقني حديث وتغيير بوصلة الخطاب من الآباء للأبناء وما أن انتشرت إعلانات الحفلة على مواقع التواصل حتى نفدت كل التذاكر ذات الأسعار الفلكية !!
وهنا رسالة يتضح من خلالها من يتعب في جني المال يعرف كيف ينفقه ومن وجد نفسه ثريا دون عناء لا يهمه كم التكلفة لأي شيء يرغبه مهما غلا ثمنه!
الحوار أعلاه لا يعني التدخل في رغبات الناس أو أن نملي عليهم كيفية الإنفاق وليس لأحد مسوغ أن يذم من يدفع، وهناك مثل مصري جميل يدعم حرية (الدفيعة) (اللي عنده قرش ومحيره يشتري حمام ويطيره) ما يهم، هل هناك مردود اقتصادي على البلد من تلك التذاكر الباهظة للحفلات أم أن المستفيد هم الشركات المنظمة والرعاة؟
Saleh_hunaitem@