ذكر أبو الفرج ابن الجوزي في أخبار الحمقى والمغفلين: أن هارون الرشيد لما غضب على ثمامة بن أشرس دفعه إلى سلام الأبرش، وأمره أن يضيّق عليه، وأن يدخله بيتا ويطين عليه ويترك فيه ثقبا، ففعل دون ذلك، وكان يدس إليه الطعام، فجلس سلام عشية وهو يقرأ في المصحف، فقرأ ويل يومئذ للمكذبون، فقال ثمامة: إنما هو المكذبين، وجعل يشرح ويقول: المكذّبون (بفتح الذال) هم الرسل، والمكذّبين (يكسر الذال) هم الكفار، فقال: قد قيل لي: إنك زنديق ولم أقبل، ثم ضيق عليه أشد الضيق، قال: ثم رضي الرشيد عن ثمامة فجالسه، فقال: أخبروني عن أسوأ الناس حالا، فقال كل واحد شيئا، قال ثمامة: وبلغ القول إلي، فقلت: يا أمير المؤمنين، عاقل يجري على حكم جاهل! فتبينت الغضب في وجهه فقلت: يا أمير المؤمنين ما أحسبني وقعت بحيث أردت، قال: لا والله، فانشرح، فحدثته بحديث سلام، فضحك حتى استلقى وقال: صدقت، والله لقد كنت أسوأ الناس حالاً.
فعلاً إن من أسوأ الناس حالاً عاقلاً يجري على حكم جاهل، وهذا ما يجب أن يتنبه له كل مسؤول، فعندما تختار مديراً مثل سلام الأبرش لإدارة تحوي مميزين ومبدعين فأنت تدمر دافعيتهم وطموحاتهم ونفسياتهم.
ومع الأسف فهذا موجود، تستغرب عندما تقابل بعض المديرين وتسمع منه، كيف لهذا أن يدير إدارة يؤمل منها، وممن فيها العطاء؟! تستغرب منه وتستغرب ممن اختاره وورط الناس فيه.
غياب معايير الاختيار، والاكتفاء بالأقدمية والطاعة والولاء ينتج مديراً لا يعرف المكذّب (بكسر الذال) من المكذّب ( بفتحها)!
وبالتالي فعلى كل قائد يسعى لاستمرار نجاحاته أثناء عمله، وبعد تقاعده، وحتى بعد رحيله، أن يهتم باختيار الصف الثاني من القيادات، والفريق الذي يعمل معه، والموظف الذي يواجه الجمهور بالنيابة عنه، فهذا في غاية الأهمية ليس لمن تم اختياره فقط (بحمايته من فضح نفسه وبيان عورته) أو للمجتمع الذي يؤمل من مؤسساته التميز بقيادة المتميزين، بل حتى للمدير نفسه، فمن سنّ في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها، وأيضاً كل من اختار عاملاً مميزاً فإن نجاحات هذا المدير هي لمن اختاره، والعكس بالعكس.
اعتنوا باختيار القيادات، فإنما المجتمعات بقياداتها.
@shlash2020