مع أن للإعلام دوره الضروري في كل المجتمعات والعصور، وهو دور يزداد تأثيراً واتساعًا أكثر وأكثر، خاصة وقد أصبح في مقدوره توظيف تقنيات ووسائط وأدوات أكثر سرعة وانتشاراً، وهي تتيح للمتلقي قارئًا وسامعًا ومشاهداً فرصًا أكثر للاتصال والاطلاع والمتابعة، وقد باتت الدول والمجتمعات تدرك أنها حين توظف كل ذلك توظيفًا جيداً تقود إلى أن يؤدي الإعلام دوراً أكبر في المحافظة على الاستقرار الاجتماعي والأمن الاقتصادي والوطني، خاصة أن وصوله إلى جميع الأفراد والشرائح الاجتماعية في ظل ثورة الاتصالات الحالية قد أصبح متاحًا بأسهل الطرق وأيسرها، بل وأسرعها وأسهلها أيضاً، كما أصبح في مقدور الأفراد على اختلاف مستوياتهم المادية والاجتماعية والتعليمية امتلاك جهاز الهاتف الذكي، الذي هو في الواقع عديد من الأجهزة في جهاز واحد، فهو الكمبيوتر والتلفاز (والراديو) وحتى هو صحيفة مرئية ووكالة أنباء أيضاً، ويمكن من خلال هذه المميزات بقاء الفرد على اتصال مستمر مع العالم من حوله ومتابعة المستجدات في كل المجالات أولاً بأول، ومما ساعد على ذلك أيضاً ما يتم الوصول إليه كل يوم في مجال المعلومات والاتصال والتكنولوجيا والتحولات المستمرة في المنتجات الجديدة من هذه الأدوات، التي من مظاهرها تركيز عمليات البحث العلمي في وسائط نقل وتبادل المعلومات، وقيام الدول بإنشاء المعاهد والمؤسسات المتخصصة، التي تتحدد مهمتها في تقديم المعلومات بطرق أكثر حداثة وتطوراً، وتتضح أيضاً في حرص الدول والشعوب على توظيف المعلومات والاستفادة منها في متابعة مخرجات البحث في ميادين المعلومات والمعلوماتية ضمن حرصها على المواكبة وعدم التخلف عن ركب المعرفة العالمي، الذي لا يكاد يتوقف في هذه المجالات، وقد أدى ذلك إلى بروز واستحداث تخصصات ونشاطات مهنية منظمة في مجالات التأليف والإنتاج الفكري والنشر، كما أدى إلى ارتياد آفاق دقيقة وجديدة في مجال الإعلام والمعلوماتية تتطلب مهارات عالية وتخصصية، كما تتطلب ضرورة مراجعة عمليات إدارة مؤسسات الإعلام والتوثيق والاتصال، وبذل كل ما يمكن أن يجعلها قادرة على مواكبة التغيرات المتسارعة والابتكارات في مجالات المعلوماتية والإعلام والتوثيق والنشر، وكل المجالات ذات الصلة. ولا شك أن فعالية التحولات التقنية وتأثيرها مستمرة في الزيادة يومًا بعد يوم مما يوجب الاستجابة لها، بل ويحتم ذلك من أجل مواكبة آخر المستجدات، وهو ما يقتضي أيضاً ترتيب وتطوير الإنتاج الفكري والمعرفي وتنظيمه، وصولاً إلى بناء المعرفة الجديدة، وقد تصل هذه الجهود إلى تأسيس علم مستقل لكل تخصص من التخصصات له محتواه العلمي وأدواته ومصطلحاته وتطبيقاته، ويحدد علاقاته بالعلوم الأخرى، ومدى التنسيق معها والاستفادة منها، ومن ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- ما يقول به بعض الباحثين من «أن المنظور الاقتصادي والزاوية المالية للمعلومات يمكن أن تكون علمًا قائمًا بذاته، ويمكن تثبيته ضمن النسق المعرفي الإنساني» مع التأكيد على ما يجب أن يهتم به كل علم من هذه العلوم، وفي مقدمة ذلك العناية بالدراسات النظرية إلى جانب التطبيقات العملية الميدانية، التي يظهر أثرها في المساهمة الفعلية المحلية في المنتج العالمي في كل ميدان من هذه الميادين، بحيث لا نكون مستخدمين للمعرفة ومستهلكين لها فقط، بل نساهم في إنتاجها أيضاً، ونضيف إليها لاسيما أن الممارسات والإمكانات البشرية والفنية والمالية المتاحة لمجتمعنا وبلادنا أو ما يمكن أن يتيحه العمل الجماعي مع المنظومة الإعلامية والتكنولوجية بدول مجلس التعاون والشبكات المعلوماتية والتقنية وشبكات الاتصال المتاحة لهذه الدول إذا تم التنسيق بينها من إمكانات نستطيع معها أن نحقق مصالح دول المنطقة وشعوبها، وأن نقوم بدور أكثر تأثيراً في المنطقة وفي العالم. ولا شك أن ذلك يتطلب المضي قدمًا في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مؤتمرات المجلس الأعلى لدول المنظمة، واجتماعات وزراء الإعلام والمواصلات والتعليم لدول المنظومة الخليجية، بل وتطوير هذه الاتفاقيات والتوسع في عمليات التنسيق وتبادل الخبرات والربط التقني وبناء شبكات موحدة في هذه المجالات جميعًا، ولا شك أن ذلك ستكون له آثاره العميقة وانعكاساته في المجالات الاجتماعية والاقتصادية، بل والأمنية في المنطقة وفي العالم، كما أنه سيكون مساعداً على التحول التدريجي نحو التكامل والاتحاد بين دول المنطقة وشعوبها، التي يوجد بينها قبل ذلك الكثير من أسباب تحقيق هذه الأهداف، وما هو أعمق وأكبر وأكثر قدرة على تحقيق أماني شعوب المنطقة وتطلعاتها، وهو الأمر الذي طالما دعت إليه المملكة، التي حرصت دائمًا وما زالت على كل ما يجعل المنطقة أكثر قوة ومنعة وأمنًا وازدهاراً، وهو كذلك ما تتضح أهمية القيام به يومًا بعد يوم في ضوء التطورات العالمية في كل المجالات وما تشهده المنطقة من أحداث وتحولات.
Fahad_otaish@