هل تخيلت أن تحضر مناسبة دون أن تتكبد عناء مصافحة وتقبيل العشرات ممن تعرف ومن لا تعرف، وأن تكتفي بكلمتين حضاريتين «السلام نظر»؟
هل تخيلت كيف يمكن أن تنهي مداخلتك في اجتماعات الدوام الروتينية المطولة ثم تحصل على ساعة قراءة رائعة من رواية مشوقة على أنغام كوب من القهوة!
هل تخيلت أن تصلي يوما في المسجد دون أن تضايقك رائحة مصلٍ قادم للتو من عمل ميداني مضنٍ قضى فيه ساعات من النهار تحت أشعة الشمس في فصل الصيف؟ هل جربت أن تخشع في صلاتك دون أن يقاطع طمأنينتك صوت سعال متواصل، أو رذاذ عطسة مجاورة لمصاب بنزلة برد آثر صلاة الجماعة على سلامة المصلين؟ هل تخيلت أن تنتهي صلاة الجمعة ولا تحمل عناء الازدحام عند باب المسجد، والعثور على حذائك بين غابة من السيقان وأكوام من الأحذية؟
هل تخيلت أنه سيأتي يوم يمكنك فيه أن تحضر يوما دراسيا كاملا بجوار ابنتك، تراقب مستواها الدراسي في كل المواد، وحجم تفاعلها مع معلمتها ومع زميلاتها داخل الفصل «الافتراضي»، وتعرف نقاط ضعفها وقوتها والتحديات اليومية التي تواجهها، دون أن تضطر والدتها إلى حجز موعد وزيارة المدرسة ولقاء المعلمة والمرشدة والوكيلة والمديرة.
كل هذه الأمنيات الجميلة باتت حقيقة في زمن كورونا الذي فرض أسلوبه الخاص لنمط حياة الناس. وإذ ندعو الله بأن يرحل كورونا وأن يحفظ وطننا وأهلنا وأحبابنا، ويحفظ البشر من هذه الجائحة، فإننا نرجو أن تبقى تلك السلوكيات الحضارية ولا ترحل. نريد من كورونا أن يرحل من أجسادنا وهوائنا ولكن لا نريده أن يرحل من أذهاننا. «تحد كبير» كما وصفه معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة في تغريدة مهمة يوم الجمعة الماضي راجيا من القلب «ألا نسمح لهذا التحدي بأن يحضر من جديد».
woahmed1@