LamaAlghalayini@
تدور الكثير من سيناريوهات أفلام الخيال العلمي حول فكرة إمكانية تغيير الحياة تماما بسبب حدث بسيط يقلب الأمور ويتسبب في عواقب وخيمة، أو تغييرات ثورية، فقد تؤدي مكالمة تليفونية قصيرة لتحول كامل للمستقبل المهني أو الاجتماعي، وقد تخسر علاقة بسبب نكتة ساخرة، فالخطوات الصغيرة اليومية التي تبدو عادية وغير مهمة تشكل مسار حياتنا وترسم مستقبلنا، وهذا ما تعبر عنه نظرية «تأثير الفراشة»، والذي يصف الترابط والتأثير المتواتر والناتج عن فعل تافه، بمعنى أن فعلا صغيرا جدا ينتج عنه سلسلة أحداث متتابعة ومترابطة، فدفع حجر الدومينو كفيل بجعل الكل يسقط تباعا بدون استثناء، وهذا ما تناقشه نظرية الفوضى وحساسية الأنظمة المعقدة والمتمثلة، وتعود العبارة لعالم الرياضيات والأرصاد الجوية إدوارد لورنز والذي كان يجرب في بداية الستينيات نظاما ابتكره للتنبؤ بحالة الطقس، فأجرى تجربتين وأدخل في الأولى بيانات رقمية بست خانات عشرية بعد الفاصلة متعلقة بالطقس إلى حاسوبه المبتكر، أما في التجربة الثانية وفي محاولة منه لكسب الوقت، فأدخل الأرقام نفسها لكنه اختصر خاناتها من 6 إلى 3 خانات بعد الفاصلة، فظهر له رسمتان بيانيتان لكلتا التجربتين، النصف الأول من الرسمتين متشابه، أما النصف الثاني فمختلف تماما.
وظن لورنز أن خللا أصاب النظام، إلا أنه أدرك الخطأ الذي ارتكبه حين أهمل 3 خانات من أصل 6 بعد الفاصلة اختصارا للوقت، معتقدا أن هذه الكسور الصغيرة جدا لن تغير بالنتيجة لبساطة تأثيرها. ومن هنا جاء مصطلح “تأثير الفراشة”، إذ أن التفاصيل الصغيرة التي لا ندرك تأثيرها قد تكون سببا في خلق التغيير مع التراكم والوقت، ويمكن تقريب الفكرة بمثال متداول، فربما قمت ببعض الإصلاحات بالمنزل كطلاء حجرة مثلا، أو كنت تنقل الأثاث فقررت شراء كرسي جديد بدلا من القديم، ثم وجدتها فرصة لتغيير المصابيح في السقف، وحين بدأت اكتشفت أن الأسلاك قديمة ومن الأفضل تجديدها، وقد يكون تغيير الدائرة الكهربائية بالكامل فيه توفير للاستهلاك، وهذا يعني خلع الأرضية وإزالة السجاد الحالي، ويمكن لهذه الإصلاحات والاكتشافات أن تتوالى حتى تقودك لفكرة شراء منزل آخر، ما لم تضع حدودا للعملية، فحجم النتيجة الحاصلة لا يتناسب مع المسبب، فالقانون صحيح بالنسبة للأشياء المادية الجامدة، كاصطدام سيارة بأخرى واعتماد حجم الخسائر على حجم وقوة السيارتين، ولا يمكننا تعميمه على الأنظمة الميكانيكية أو الحية، حيث يمكن الحصول على نتيجة كبيرة من مدخل صغير، بحيث يمكن للنتائج أن تتضاعف، والأعراض الكبيرة يمكن أن يسببها شيء صغير مثل الفيروس، فطاقة الاستجابة وحجم النتيجة لا يعتمدان على قوة السبب، والأنظمة المغلقة تختلف ديناميكيتها تماما عن الأنظمة المفتوحة كالأنظمة الاجتماعية والحية، التي تنبع ديناميكيتها من خلال الأخذ والعطاء مع البيئة المحيطة، فالأنظمة الحية غير خاضعة تماما للتنبؤات، وكما يقول الفيلسوف الألماني «يوهان غوتليب فيشته»، «لا يمكنك إزالة حبة رمل واحدة من مكانها دون تغيير شيء ما عبر جميع أجزاء الكل اللامحدود»، فكثيرا ما تصدر عنا أقوال نعتبرها بسيطة غير ذات معنى، ولا نعلم الأثر الفعلي لها في حياة شخص معين، فكثيرا ما تكون الكلمة الطيبة وكلمات الإطراء هي جناح الفراشة المؤثر بشكل فعلي في مستقبل أطفالنا وأحبابنا، فكل أعمالنا وتصرفاتنا تؤثر بشكل غير مباشر على الكون في المستقبل، وكل فرد منا يملك جناح الفراشة الذي يمكن لرفرفة بسيطة منه أن يولد عاصفة من الأثر الجميل في محيطه.