يحتاج البشر للعديد من أساسيات الحياة كالمأكل والمسكن والملبس، ويحاول المحسنون تقديم تلك الأشياء للمحتاجين بقدر استطاعتهم، وذلك هو العطاء. ومن أنواع العطاء أيضاً عطاء الوقت والحب والرحمة والعلم، ويعتبر العطاء بجميع أنواعه من أعلى درجات الوعي الإنساني، وهو طاقة إيجابية يرسلها المعطي لمَنْ حوله ليخبرهم بأن العالم ما زال بخير. «إنك إذا أعطيت من ممتلكاتك فإنما تعطي القليل، ولن يكون العطاء حقاً إلا عندما تعطي من نفسك» خليل جبران. توقفت كثيراً عند جملة «تعطي من نفسك»، التي كان يقصد بها خليل جبران الرغبة النابعة من الذات في العطاء والشعور بالسعادة عند القيام به، لكن ماذا لو كان فعل العطاء من النفس حرفياً؟ كأن تقتطع من نفسك جزءاً بإمكانك الاستغناء عنه لتعطيه لإنسان آخر هو بحاجة له ليعيش؟ ترتفع قيمة تلك العطايا والهبات كلما كان العطاء من النفس، لكن لا شيء أبداً يساوي العطاء حرفياً من النفس!
أصابه فشل كلوي فتوقفت كليتاه عن العمل، وأصبح بحاجة لغسيل كلوي يومي كي يعيش. لم يحتمل أبناؤه رؤيته يعاني، فسارعوا جميعاً لعمل التحاليل اللازمة لكن لم يحالف الحظ سوى الابن الأصغر لأن يكون متبرعاً مناسباً لوالده، الذي لم يتردد لحظة واحدة لإعطاء والده قطعة منه. تذكرت في تلك اللحظة الحديث الشريف: (أنت ومالك لأبيك). تتكرر مثل هذه القصة كثيراً في مجتمعاتنا، فهذا يعطي كليته لوالده، وتلك تعطي جزءاً من كبدها لزوجها، وذاك يتبرع بنخاع العظم لأخيه وغيرها الكثير من القصص الإنسانية العظيمة. من أكثر القصص، التي أثرت فيّ كثيراً هي قصة أم تقابل شخصاً ثم تستمع لقلب ابنها النابض في صدر ذلك الشخص بعد وفاته وتبرعه له بقلبه، فلا تتمالك نفسها من البكاء، وكأنها ترى ابنها أمامها حيّاً يرزق مرة أخرى!
يهبنا الله الروح ويمنحنا الجسد ليكون مسكناً لتلك الروح لأجل مسمى حتى إذا حان الوقت حلقت الروح لخالقها لتسكن رحمته، فلا تصبح لها أي حاجة للجسد بعد ذلك. يعطي الشرع والقانون الإنسان وأهله حق تقرير مصير جسده بعد الموت، إما أن يدفن ويفنى أو تزرع أعضاؤه لشخص هو في أمس الحاجة لها لتعيش من جديد حياة أخرى لتهب المتبرع أجراً لا حد له وحسنات لا عد لها. تخيل أن تكون سبباً في بقاء أحدهم على قيد الحياة؟ تخيل أن يكون باستطاعتك أن تهب الحياة لأحد ما وتكسب أجراً عظيماً وبدون مجهود يذكر غير التسجيل في موقع www.saudidonor.com للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة «أطال الله في أعماركم جميعاً».
يستطيع المتبرعون الأحياء التبرع بكلية واحدة أو جزء من الكبد أو نخاع العظم، أما المتبرعون المتوفون دماغياً فبالإمكان استخدام كليتيهم، الكبد، الرئتين، القلب، البنكرياس، قرنية العين، أو صمامات القلب لإنقاذ حياة آخرين. لا أجد وصفاً مناسباً يليق بمقام إنسان يقرر طواعية أن يهب قطعة من جسده لقريب أو صديق لينقذ حياته، ويصعب الوصف أكثر وتخجل الكلمات لوصف إنسان يقرر طواعية أن يتبرع بقطعة منه لإنسان آخر لا يعرفه أصلاً. يزخر الإنترنت بمقاطع فيديو لأبطال متوفين دماغياً يزفهم أحبابهم في مشية الشرف Honor walk، وهي مناسبة يحضر فيها أهل وأصحاب المتوفى دماغياً لتكريمه وتوديعه قبيل التبرع بأعضائه لإنقاذ أشخاص آخرين، التي أتمنى لو أوجدناها في مجتمعنا لترسيخ فكرة العطاء والتشجيع عليه ومن أسمى أنواع العطاء التبرع بالأعضاء.
@Wasema