لقد كان اللافت في تناقل الصورة هو تلك الرؤى، التي حملتها والتوظيفات البصرية، التي تحمّلتها وتفاعلت معها، وكذلك التعابير والمواقف، التي جعلت منها أيقونة فنية للمرحلة بكل تراكماتها الحسية والمعنوية الجدية والكوميدية، حيث باتت هذه الصورة منفذا استطاع أن يُميّز فنون ما بعد الحداثة على مستوى التوظيف المفهومي، الذي كسر حاجز فكرة الكرسي الفارغ، التي وظفها «جوزيف كوست 1965» ليبدأ بعدها تصوّر الفنون المفاهيمية.
ولا شك أن الحديث عن الصورة من حيث التأمل البصري يحملنا أبعد في تشكيل أجوبتنا عن مدى التأثير، الذي استطاعت أن تحدثه صورة عادية جدا على المتلقي ما يجعلنا نطرح تساؤلات تفسيرية لمنطق الصورة، فقد اعتبرت صورة حقيقية تشبه دهشة العالم، عبّرت بشكل تلقائي غير مخطّط له عن كل ما يحدث في العالم، عن هذا التداخل الغريب بين البقاء والانتظار، التأمل والتعجّب، الوباء الذي وحّد عزلة العالم عن كل ما يحدث للإنسان.
وبذا يمكن القول إن الصورة حملت قربا لدى كل مَنْ لمحها كانت طيّعة بحيث توافقت مع حرية التعبير الذاتي بها وتوظيفها وتناقلها بصريا عن طريق الفنون الرقمية والتصميم التقني والنشر من خلال شبكة الإنترنت ليوظّفها كل فنان ومصمّم بطريقته الخاصة وحسب موقفه البصري من الواقع، ومن كل الأحداث ويعيد تناقلها حسب رؤاه.
ولعلنا إذا ما شكّلنا وجهة نظر بصرية نقدية وفنية نستطيع أن نربط بينها وبين كل تحولات الفنون، التي عرفت لحظات تلقائية غير مُبرمجة مُشابهة لما يحدث حاليا، فقد استطاع مارسيل دوشامب بتلك النافورة الشهيرة أن يحدث صدمة بصرية استطاع بها فتح منافذ التعبير السريالي والمفاهيمي أو آندي وارهول عندما حوّل علبة الطماطم من صورة إلى علامة رمزية مُعبّرة عن مرحلتها وانحرافها البصري الجمالي في التعبير عن الواقع.
وختاما فيبدو جليا أن المتلقي كان بحاجة لتلك الرؤية البصرية البسيطة جدا والمعبّرة جدا، والمقنعة جدا ليجد نفسه في دهشة تلك اللقطة، ويستمر من خلالها أبعد في عمق التعبير الواقعي، خاصة أن رحلة البحث النقدي للفن في زمن الكورونا ستسجّل هذه الصورة وستحفظها لتعاد كعنصر تجريبي لفكرة الفن المعاصر وفن ما بعد الحداثة حتى حين.
yousifalharbi@