إن الأرملة الشابة إذا لم تكن على دراية ووعي وصاحبة قرار جيد فستغرق وتكبل أيديها بالهم لا سيما أن المجتمع سيتفرغ لها ولأحداثها وستكون مادة دسمة للارتياب والتلصص وقهوة الصباح والخوف على الأزواج !
وفي الأيام والأشهر الأولى لمصيبتها يلتف حولها عشرات المتعاطفين الذين يشاركونها دموعها ثم تنحسر الأعداد حتى تبقى وحيدة تلملم شتاتها وتبحث عن المعين الحقيقي لها، فإما أن يكون قريبا كأخ أو خال أو عم مخلص محتسب سخره الله عز وجل ليعينها، أو طالب زواج لم تجد سواه كمنقذ وفي بعض الأحيان يكون كما قال الشاعر إذا لم تجد إلا الأسنة مركبا فما حيلة المضطر إلا ركوبها !! فللأرملة الشابة يتهافت أصحاب القلوب المريضة المستغلون لوضعها عارضين خدماتهم وليس كل يد تمتد للأرملة يدا نظيفة طاهرة ! كما أنها مطلب للمعددين وراغبي زواج المسيار لا سيما إذا كان لديها بيت أو كانت موظفة ولا ينقصها سوى رجل تستند إليه.
والأرملة الشابة تعيش ظروفا نفسية وفطرة غريزية تدفعها للزواج أو أنها قد لا تستطيع مجابهة ضغوط التربية ومتطلباتها فتبحث عن الرجل الأمين الذي يخفف عنها العناء ويشرف بتربية أيتامها في زواج عادي لا يحمل أيًا من مسميات الزواج الجديدة وتقليعاته ! مستشعرا قول المصطفى الكريم «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل، الصائم النهار» فالزواجات الوقتية غير المعلنة تفشل في كثير من الأحيان مع أزواج غلبوا نزوتهم على حقيقة وقدسية الزواج، عدا الهم الجديد الذي يشكله الزوج العالة والذي فاق أبناءها في مسؤوليته ! كما تجد الأرملة الشابة المعارضات الكبيرة ممن حولها في حال قررت الزواج فهي في نظرهم زوجة غير وفية لزوجها الراحل وغير مربية صالحة لأبنائها وربما طالبوا بالأبناء وحرموها منهم، وما علموا أن من حقها أن تتزوج وأن فقد زوجها هو حدث كتبه الله عليها وليس تشريعا هنديا يحتم عليها الموت بعده !! وإذا ما رفضت الأرملة الزواج وقاومت رغبتها حتى لا توصف بعديمة الوفاء أو المستهترة ! فإما أن تصبر وتحتسب وتجد في أبنائها سلوتها وأنسها فتعكف على تربيتهم تربية امرأة ارتدت لباس الأم والأب معا فأثمر غرسها وأينعت ثمارها، أو يقل لديها منسوب مراقبة الله فاتخذت من العلاقات المحرمة وسيلة خافية على الناس ولا تخفى على الله في دهاليز مخيفة لا يعلم نهايتها وخلفت وراءها صغارا حرموا عطف الأم وحزم الأب فنشأ جيل ضائع ضحيته نزوة أم كان الزواج لها واجبا وليس مندوبا !
إن الجهاد الذي تخوضه الأرملة الشابة الواعية الصابرة والنجاح الذي حققته الكثيرات منهن ليدعو للفخر والغبطة فالكثير منهن حولن محنة الفقد إلى منحة مليئة بالتفاؤل والأمل والجمال يفوق غيرهن، فالمرأة اليوم بكل أحوالها حققت مكتسبات كبيرة، فمن يضع العوائق الوهمية سيسقط ومن يستثمرها سينهض ويقوى.. وصدق الشاعر د. مانع سعيد العتيبة على لسان الأرملة:
وحدي أهيم اليوم في صحرائي
الحب أطلال تلوح ورائي
مات الهوى عندي وأصبح ماضيا
ذكرى لعهد سعادتي وشقائي
لا لن يرى الأعداء دمعة مقلتي
فالدمع صار اليوم من أعدائي
مات الهوى والميت ليس يفيده
دمع المحب ولو جرى كالماء
@ghannia