كثيرة هي المناسبات والتقليعات التي نحتفل بها للخروج من دائرة الروتين ولاصطناع جو فرح رغم الظروف ورغم أن بعض المناسبات المستورة نطغى فيها كعادتنا في المجتمع العربي والخليجي تحديدا أكثر من أصحابها ومصدريها، فأصحاب الفالنتاين الحقيقيون يكتفون بوردة حمراء واحدة وربما هدية للمحبوب بينما نحن نغرق في الاحمرار ولو استطعنا لحولنا الهواء للون الأحمر! فلا تبقى بالونة ولا وردة حمراء في الأسواق إلا وحملناها للبيت أو مكان الاحتفال عدا الهدية الفارهة التي يجب أن نبحث فيها عن محبوب نهديه أو نجبره أن يهدينا وإن كان لا يرى بالحب وعيده ! أو باركنا لأنفسنا هذا العيد كالأهبل الذي يقال عنه «مع نفسه» المهم أن نعيش أجواء الحب ونوثقه و«نزعط» !! وتأكيدا على أن الفالنتاين لا يلقى عند مصدريه ما يلقاه لدينا من حفاوة وتكريم فلا نجد لديهم من يوزع الورود ويسخى بما في جيبه إلا عندنا !! هذه الأسطورة التي نتداول رواياتها ومدلولاتها والتي تجمع على أن لهذا العيد مدلولا دينيا وليس عاطفيا (صرف) نتسابق للمشاركة فيه وكأنه ماراثون له وقت محدد وينتهي! الحب عاطفة جميلة ذكرها الله عز وجل في كتابه في 76 آية تؤيد المشاعر الإنسانية الصادقة مع اختلاف المعنى في السياق القصصي ولأن الحب المعني في عيد الحب لا يمثل أيا مما ذكرته الآيات لأنه حب وقتي مدته يوم وعنوانه الورود الحمراء! كسهم الأسهم الخاسرة ! إن كل تجارة كاسدة تنعشها شائعة ناجحة أو كذبة أو إيقاظ تقليعة وطقوس نائمة وإن كانت من ديانات ومعتقدات أخرى، وينشط المشاهير والإعلام في الترويج لهذا اليوم ويجدون فيه مادة دسمة تحرك ركود الأحداث فهذه المشهورة زامنت الإعلان عن خبر اقترانها مع هذا اليوم لتتبارك به !! وتلك استعرضت الهدايا الفارهة التي تدعي فيها الحب وتلك تروج الحب وإن لم تكن مقترنة بحبيب كما أن النساء يدفعن أزواجهن لجلب الهدايا التي تم التنسيق لها مسبقا لتكون مفاجأة على الشاشة ! وإن كان سوق الورد بطيء الحركة طول السنة فهو يدر الملايين في يوم واحد، وهكذا هي التجارة تولد شعور الخسارة فيمن لا يقلد ولا يساير وتشعره بالنقص، إن زمن العشق الحقيقي الصادق الذي مثله عنتر وعبلة ومجنون ليلى وروميو وجوليت حين كان العشاق يموتون كمدا على الحبيب وينظمون القصائد الطوال لم يكن فيه للحب عيد بينما اليوم وحين أصبح الحب ألعوبة تعددت فيه العلاقات الخالية من المشاعر حتى الزواج لم يكن له قدسية فأصبح يوقظه عيد الحب ويموت بقية العام وقد ينتهي مع أول صدام، إن هوس الشباب بالمغامرة دفعه لممارسة التحدي حتى في الحب ! التحدي من أجل التحدي لا من أجل الحب!! وإن كنت أتحفظ على «الحب» إن لم يكن ذا قيمة وهدف فولد صراعات وتمثيليات وتحديات بين الجنسين حتى حين لا يوجد صراع فإنهم يختلقونه، وأذكر تعليقا لإحدى المشهورات على زواج مشهورين حيث كتبت على صورة العروسين «وأخيرا انتصر الحب» ما دفع العريس إلى التعجب وأنه زواج عادي لا يوجد فيه حرب حتى ينتصر!! إن الحب العذري الجميل المنتهي بالزواج وتكوين أسرة حب فاضل بين محبين متكافئين لم يبدأ بصراع وينتهي به! لكن ما نراه اليوم من انفلات عاطفي بين الجنسين وعلاقات غير منضبطة وتمييع للدين والعادات والتقاليد وإظهار الحب والمواعدات بين الشباب بصورة الأمر الحتمي والعادي الذي يجب أن تتقبله الأسر في هذا الجيل لأمر يدعو للتأمل.. لأن غالب العلاقات الشبابية علاقات فارغة ونزوة عابرة لا تهدف للزواج وقد تقود لأمور لا تحمد وعيد الحب أحد المعينات عليه، وإن كان اللون الأحمر في دلالات الألوان لونا ناريا يرمز للجرأة والدم والعداء وهو اللون المهيج للثيران كما تقول الأساطير!! فعلينا أن نحذر منه ومن عيده المختلق! ولتكن حياتنا كلها حبا دون ورود التجار.. أحبوا بعضكم أيها الأزواج طوال العام وتهادوا كلما سنحت لكم فرصة وزيدوا منسوب الحب في كل لحظة وأحبوا والديكم وأبناءكم وأسركم وعاملوا الناس كما تحبوا أن يعاملوكم وصدقت هذه الأبيات..
ما قال عيد الحب إلا كاذب
أو جاهل أو ذو وداد فاسد
إن الذي في القلب أعظم قيمة
من أن نحجره بيوم واحد
@ghannia