ثم ما يلبث أن تكبر هذه الأسرة ويشق أفرادها طريقهم نحو بناء أسر أصغر يمارسون من خلالها أدوارًا مماثلة لما عاشوه مع أسرهم.
ولكون أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، فهو يحرص على تكوين العديد من الارتباطات والعلاقات المختلفة مع أصدقاء الطفولة، ومَنْ تجمعهم هواية محببة ومع الزملاء في المدرسة ومن ثم في العمل.
وتبقى الأسرة أقوى وأعمق وأصدق هذه العلاقات، فلا مجاملات ولا حسد ولا تباغض إلا ما ندر وليس للنادر قاعدة.
ودور الأسرة لا يتوقف عند توفير الاحتياجات المادية لأبنائها مع أهمية ذلك، بل يتعداه إلى التنشئة السليمة على معالي الأمور وعلى جميل الخصال والسلوك، وعندما يشعر الأبناء بقرب والديهم منهم سيسارعون إلى طلب العون والمساعدة منهم كلما أشكلت عليهم المواقف أو تعقدت عليهم الأمور، وليعلم الأبناء أنه لا يوجد أطهر ولا آمن من قلب أم أو صدر أب لتضع عليه رأسك وتبوح له بما يؤلمك.
ولكي ينمو ويقوى هذا الارتباط الأسري فلا بد من زيادة الحوار بين أفراد الأسرة.
وهنا نقول إنه من الأهمية بمكان أن نحرص على تخصيص لقاء يومي نقرب فيه من بعضنا البعض ونتجاذب فيه أطراف الحديث الودية، ونتعلم من خلاله الإنصات وفن الحوار والمناقشة ونعرض فيه لتجاربنا السابقة وكيف تعاملنا معها وكيف استفدنا منها، وينبغي أن يكون هذا اللقاء لقاء وديا لا يخطأ فيه بعضنا البعض ولا يقاطعه، لكي يسود اللقاء جواً من الأريحية، التي تفضي إلى التعبير بكل صراحة عما يجول في النفس.
تلك المجالس الحميمة تسهم في بث روح الثقة بين أفرادها وفي تقريب وجهات النظر وإشاعة روح الحب والمودة بينهم وتبدد المشاعر السلبية وتشحن أفرادها بالإيجابية لتكون عونًا لهم في جميع مراحل حياتهم.
قال أبو العلاء المعري:
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا
عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
وَما دانَ الفَتى بِحِجىً وَلَكِن
يُعَلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ
azmani21@