ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: قعد الخليفة العباسي المهدي قعودا عاما للناس، فدخل رجل وفي يده نعل في مناديل، فقال: يا أمير المؤمنين هذه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أهديتها لك، فقال: هاتها، فدفعها إليه، فقبل المهدي باطنها ووضعها على عينيه، وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم، فلما أخذها وانصرف قال لجلسائه: أترون أني لم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير النعل هذه فضلا عن أن يكون لبسها؟ ولو كذبناه، قال للناس: أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها علي، وكان من يصدقه أكثر ممن يدفع خبره، إذ كان من شأن العامة الميل إلى أشكالها، والنصرة للضعيف على القوي وإن كان الضعيف ظالما، فاشترينا لسانه، وقبلنا هديته، وصدقنا قوله، ورأينا الذي فعلناه أنجح وأرجح.
هذه القصة بالإضافة لما فيها من ذكاء القائد وواقعيته تبين أهمية وعي المجتمع، وضرورة السعي لتنميته، فهو الحصن الواقي أمام كل هجمة، وما أكثر الهجمات التي يتعرض لها مجتمعنا، وعلى جميع الأصعدة، ولذلك يجب أن نسعى بكل وسيلة لزيادة هذا الوعي، وشكر كل من يعمل من أجله لا تحطيمه والادعاء بأن التغيير حاصل حاصل والجهل لا بد منه.
تنمية وعي المجتمع تبدأ من البيت، فالوالدن يستطيعان تقديم أفراد واعين من خلال تنمية عقول الأبناء وتربيتهم على إبداء الرأي والتفكير الناقد.
والمسجد يسهم ولا شك فخطبة الجمعة التي ألزمنا الله بالاستماع لها بصمت وإنصات تستطيع أن تبين للمجتمع أين الصواب وما لا يمكن تصديقه، وهذه موجودة في فتاوى علمائنا، فلا تصديق إلا بدليل.
والمؤسسة التعليمية سواء كانت مدرسة أو جامعة تستطيع أن تحول الطالب من طالب متلقٍ إلى طالب باحث مفكر، وحتى بقية مؤسسات المجتمع تستطيع أن تقدم الكثير إذا رُزقت بقيادات واعية تنشر الوعي في مؤسساتها ومجتمعها.
وعينا يجعلنا لا نصدق الخزعبلات فقط، بل يجعلنا نقدّر ما نملكه بدلا من إضاعة الأعمار في ملاحقة ما لدى غيرنا، فمجتمعنا بوعي أفراده سيعلم أن قيمه أعلى القيم على مستوى العالم، فلا يتلاعب بنا متلاعب، سواء في الجانب الاجتماعي أو المالي أو الديني، فليس كل نعل نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
@shlash2020