حقوق الإنسان
وقال رئيس الاتحاد العربي لحقوق الإنسان عيسى العربي، إن قضايا حقوق الإنسان مرتبطة بحماية الحقوق والحريات وتحقيق العدالة، وأن تصور البعض بأن أمريكا هي راعية حقوق الإنسان في العالم أمر خاطئ، فالولايات المتحدة إحدى أكبر الدول التي ارتكبت مجازر وانتهاكات في حق الإنسان في العالم أجمع، كما أنها انسحبت من مجلس حقوق الإنسان لمدة أربع سنوات، وطالبت بشطب البند السابع في مجلس حقوق الإنسان، وهو أهم البنود التي ترسخ حقوق الإنسان والعدالة في الأرض، وهو حق الشعوب في تقرير مصيرها.
مضيفا، أن اعتبار أمريكا حامية حقوق الإنسان، هذا أمر طريف، ويجب ألا يؤخذ به، وقال: «ما بال الشعب الأمريكي يعاني من العنصرية حتى الآن إذا كانت دولته حامية لحقوق الإنسان».
وأضاف العربي: إذا نظرنا إلى قضية جمال خاشقجي -رحمه الله- فنحن أمام قضية كما وصفت من قبل القيادة السعودية بأنها جريمة بشعة ارتكبت بحق مواطن سعودي، وتحققت العدالة من خلال محاكمة الجناة تحت مراقبة دولية، وهو الأمر الذي لا يمكن التشكيك فيه، خلص إلى أحكام نهائية تم تنفيذها، وهي بمنظور حقوق الإنسان قمة العدالة، ويجب ألا نسمح للدول بممارسة أجنداتها وسياساتها بملف حقوق الإنسان.
ولفت إلى أن ولي العهد منذ اكتشاف الجريمة أعلن أننا أمام جريمة ارتكبت بحق مواطن سعودي، وأنه سيتم تنفيذ العدالة على مَنْ كان، كبيرا كان أو صغيرا، وهذا ما تحقق فعلا.
وأكد العربي: أنا ليس أمام قضية حقوقية، بل هي قضية مسيسة، وهناك توجهات يمشي عليها الرئيس الأمريكي بايدن وهي جزء من عملية الشرق الأوسط الجديد، وهذا ما يجب أن تحاسب عليه الإدارة الأمريكية، مؤكدا أن تحريك ملف قضية جمال خاشقجي ما هو إلا استغلال للقضية.
وقال إن السعودية أثبتت في هذا التقرير أنها ارتكزت على موقف سليم ولا أحد يمتلك أدلة أبعد مما ذهبت إليه منظومة القضاء السعودي وحققت بها العدالة، مضيفا إن تقرير الاستخبارات الأمريكية استنتاجي، ولا يتعامل مع حقائق، فهو يردد مفاهيم الاعتقاد، بينما العدالة تحتاج إلى حقائق.
بلا مصداقية
وقال المحلل السياسي الدكتور خالد آل هميل، إن تقرير الاستخبارات الأمريكية قائم على الشك، ولا يوجد دليل واحد يدعم ما ذكر فيه، أو يشفع لمصداقيته، مؤكدا أن الاستخبارات الأمريكية معروفة بسقطاتها الضخمة، فبالإضافة إلى هذه السقطة سبق أن أكدت الاستخبارات أن العراق زمن حكم صدام حسين لديه سلاح نووي، وتبنى ذلك الرئيس بوش الابن، وغزا العراق، وثبت لاحقا بالاعتراف الأمريكي أن العراق ليس لديه سلاح نووي، مشيرا إلى أنه ليس غريبا أن تسقط استخبارات أقوى الدول في العالم.
ولفت إلى أن الإدارة الأمريكية أرادت أن تبتز السعودية، ولكن نسيت أن المملكة دولة إقليمية عظمى تسيطر على اقتصاد البترول في العالم، وتستطيع بقرار واحد أن تفلس الشركات البترولية، التي تنتج البترول الصخري في أمريكا، وتجاهلت أن الحكم صدر ضد مرتكبي الجريمة بإعدام أربعة وسجن الباقين، وتنازل أولياء الدم عن الإعدام، وانتهت القضية بالنسبة للمملكة بحكم القضاء السعودي، الذي يعرف بأنه قضاء جاد ومستقل، ولا أحد يتدخل فيه من السلطة.
واستطرد آل هميل قائلا إن القيادة هي من نسيج المجتمع السعودي، ولا يمكن أن يرضى الشعب السعودي بالإساءة أو التدخل في الشؤون السعودية الداخلية من قبل أي شخص كان، وتساءل، إذا قال إنه مع حقوق الإنسان، فلماذا لا نرى هذه الدفاعات والإدانات ضد إيران، التي تقتل وتعدم شهريا أمام الرأي العام الدولي أكثر من 30 شخصا، بمحاكم مؤدلجة وغير عادلة، وكذلك في سوريا عندما شرد أكثر من 12 مليون إنسان بسبب جرائم نظام الأسد وحلفائه.
يفتقد الدقة
واعتبر مساعد وزير الخارجية المصري السابق حسين هريدي التقرير الاستخباراتي الأمريكي بشأن مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي أن الزج بأسماء لقيادات سعودية يتطلب مراجعة عاجلة لمواقف الإدارة الأمريكية بقيادة جون بايدن لما تمثله المملكة من ثقل كبير في العالم وليس المنطقة فحسب.
وقال هريدي إن عددا كبيرا من الأزمات، التي يعيشها العالم العربي الآن بسبب مؤامرات النظام التركي بقيادة أردوغان، مشددا على أن أنقرة المسؤولة عن الجدل بشأن أزمة خاشقجي منذ اندلاعها لمحاولة إحداث أزمة بعد تصدي المملكة بقوة للمخططات التركية للعبث بالمنطقة.
وأضاف مساعد وزير الخارجية المصري السابق حسين هريدي إن تقرير المخابرات الأمريكية افتقد الدقة وألقى بالتهم جزافا على قيادات المملكة دون أن يذكر الخطوات، التي اتخذتها القيادة السعودية من أجل محاكمة المتهمين وتطبيق العدالة على الجناة بشفافية وأمام العالم دون أي مواربة ما دفع أسرة خاشقجي لتقديم الشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان على الجهود المبذولة للقصاص من المتورطين في الجريمة، التي رفضها الشعب السعودي وقياداته.
وقال هريدي إن نوعية هذه التقارير المهمة، التي تنسب لجهات استخباراتية يجب أن تستند إلى حقائق دامغة وليست استنتاجات، معربا عن اندهاشه من توقيت صدور التقرير وما تضمنه من جمل جوفاء مطاطية.
مَنْ قتل كنيدي؟
وقال الخبير في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية د. طارق فهمي: تقارير أجهزة المعلومات (الاستخبارات) لا تصدر مجهلة وتحتفظ بمصادرها الخاصة وغير المعلنة ولا تسعى لنقل وقائع وإنما التأكيد بالدلائل والبراهين، أما الجمل العامة والعبارات الفضفاضة وتسييس المعنى، فهذا يشابه تقارير الوكالات الصحفية المصنفة درجة «د»، وهي آخر درجات التصنيف في المعلومات.
وأضاف: لا علاقة بالقيم الديمقراطية والتعددية والليبرالية بما يسوق في الولايات المتحدة الأمريكية. متسائلا: هل عرف الرأي العام الأمريكي مَنْ قتل جون كنيدي، ومَنْ خطط لفضيحة ووتر جيت؟ ولماذا لم يحاكم الرئيس بوش ورفاقه على جريمة تدمير العراق ومَنْ قتل الحريري؟. مشددا على أن هناك العشرات من الوقائع الدولية الأخرى، التي صمت واشنطن آذانها عنها ولم تتمكن من كشف المتورطين فيها، فكيف تكشف بسهولة تفاصيل مقتل مواطن سعودي وفي أرض خارج حدودها؟.
وقال الخبير فهمي إن المملكة ردت بحسم على هذا التقرير، وفندت بنوده التي تعد محاولة لاستهداف قياداتها. مشددا على أن الرياض منذ وقوع الجريمة وهي حريصة على تطبيق القانون، وأظهرت ذلك للعالم من خلال سرعة محاكمة الجناة وتطبيق العدالة على الجميع.
خريطة المنطقة
وقالت الباحثة في الشؤون السياسية د. سمية عسلة: الإدارة الديمقراطية الجديدة بقيادة بايدن لم تقرأ جيدا خريطة المنطقة إذ إن المملكة هي إحدى دعائم استقرار المنطقة، كما أنها حريصة على الأمن ولا يمكن أن تتورط في هذه النوعية من الجرائم، التي تكشف المراهقة السياسية.
وأشارت إلى أن التقرير الاستخباراتي الأمريكي لم يأت بجديد، ومسيس وموجه وفق تعليمات من الإدارة الأمريكية، وركز فقط على ذكر اتهامات بدون أدلة ما يعكس التخبط داخل جهاز كبير مثل المخابرات الأمريكية.
وذكرت د. سمية عسلة أن هناك تقارير إخبارية صادرة عن مراسلين لشبكات عالمية تؤكد أن التقرير الأمريكي بشأن مقتل خاشقجي لم يتضمن أي دليل ملموس أو معلومات جديدة.
تقرير صدمة
ووصف الباحث في الشؤون الدولية أحمد العناني التقرير بأنه صدمة لكافة المراقبين للسياسة الأمريكية، التي كان البعض يظن أنها تعتمد على تقارير موثقة بالمعلومات والحقائق لكن أن يصدر تقرير استخباراتي بهذه السطحية جعل كثيرا من المختصين في الشؤون السياسية الدولية يعيدون حساباتهم، خصوصا أن واشنطن صدعت العالم بأنها دولة الحريات والديمقراطية.
وأشار العناني إلى أن أحداث الفوضى، التي شهدتها واشنطن سواء بشأن العنصرية أو من أنصار ترامب تعكس ما تمر به الولايات المتحدة من انهيار وتخبطات، مطالبا إدارة الرئيس بايدن بالتركيز على حل المشكلات الداخلية.
تقرير سياسي
ويشدد المحلل القضائي والسياسي يوسف دياب، في تصريح لـ«اليوم»، على أن «تقرير الاستخبارات الأمريكية يبدو أنه لا يستند إلى معلومات أو أدلة مباشرة أو غير مباشرة، فأكثر ما يستند إليه هو أنه مبني على استنتاجات أكثر مما هو مبني على معلومات وأدلة، وبالتالي الاستنتاجات اليوم لا قيمة لها بالمفهوم القضائي أو الجنائي أو التحقيقي»، جازما بأن «هذا التقرير يمكن أن يطعن به أمام أي مرجع قضائي سواء أمريكيا أو غير ذلك، وبالتالي يمكن إبطاله».
ويوضح دياب أن «مسألة معاقبة عدد من الشخصيات الأمنية السعودية، هذا أمر يخرج عن السياق الذي اعتمدته السلطات السعودية والقضاء السعودي، عندما حاكم كل المتورطين باغتيال جمال خاشقجي، وأنزل القضاء السعودي عقوبات مشددة بحقهم وبالتالي السعودية لم تخرج عن مبدأ الملاحقة والمعاقبة للذين ارتكبوا مثل هذه الجريمة، لذلك أعتقد أن هذا الموضوع يأتي في سياق تسجيل مواقف من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة، إدارة بايدن ضد إدارة ترامب، وللقول إن بايدن وإدارته متشددة في موضوع حقوق الإنسان أكثر مما كانت عليه إدارة ترامب، ولكن هذا لا يمكن أن يصرف في المحاكم أو بالمفهوم الجنائي، لأي عملية أخرى».
ويجدد التأكيد على أن «هذا التقرير هو تقرير سياسي أكثر مما هو تقرير قضائي أو أمني، وهو مبني على استنتاجات ويفتقد إلى المعلومات والدقة الحقيقية».
إغلاق الملف
يشدد رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانيّة» شارل جبّور، في تصريح لـ«اليوم»، على أن «العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية هي علاقة تاريخية، ومن طبيعة إستراتيجية، ونحن على أبواب قرن من هذه العلاقة التي لم تشبها أي شائبة»، لافتا إلى أن «واشنطن بحاجة إلى دولة معتدلة على غرار المملكة العربية السعودية، التي تمثل الوجدان الإسلامي المنفتح على العالم، والمملكة أيضا بحاجة إلى شريك دولي من أجل إقامة شراكة إستراتيجية، وهذه شراكة ثابتة وراسخة والتقرير الذي خرج، هو تقرير له علاقة بظروف انتخابية تحدث عنها البعض، وبالتالي هو نوع من إقفال لملف مفتوح وليس فتح ملف، ووضعه ضمن إطاره لا أكثر أو أقل».
ويقول: «لا شيء يؤثر على هذه العلاقة أو سيؤثر عليها، طبعا تم تضخيم هذا الأمر من قبل الإعلام لأن محور الممانعة يتربص شرا بهذه العلاقة الإستراتيجية بين واشنطن والرياض، كما يتربص شرا بهذا الصعود الكبير للمملكة العربية السعودية مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان».