والتقدير أو الرضى لكي يكون نافعا، لا بد وأن يكون معتدلًا وموازيًا لحجم العمل والتضحية والإنجاز، لا أن يكون مبالغًا فيه ومبتغى ومطلبًا أساسيًا لصاحبه، وحال صاحبه أن يقول إذا لم يتم تقديري فلن أضحي ولن أعمل ولن أتقن، بل على العكس تمامًا، لا بد أن أتيقن بأنه وإن تغافل الناس عن إنجازي فرب الناس لا يضيع أجر المحسنين.
ولقد بالغ عدد من الناس في الحرص على طلب التقدير أو رضى الآخرين وحب المدح المتكلف، والسعي المحموم لرضاهم، حتى أصبحوا كما يقول د. خالد المنيف في كتابه كبر دماغك وكأنهم يتسولون رضى الناس فلا يقدم أحدهم على فعل شيء ولا يحجم عن أمر إلا وقد وضع رأي الناس في مخيلته، وصار البعض يحرص على أن يجاري الناس في المواضيع التي يطرحونها في المجالس العامة وإن كانت تافهة لكي يحظى برضاهم وقبولهم له، ويلبس ما يلبسه الناس حتى وإن كانت تلك الملابس لا تناسبه ولا تناسب دخله، لكي يلفت أنظار الناس إليه، بل تمادى آخرون وصاروا يفعلون بعض ما يفعله الحمقى لأنهم سينالون من خلال ذلك الفعل الشهرة والتقدير الزائف، كما هو مشاهد في كثير من المقالب التي يفعلها البعض ويعرضونها في وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحنا نسعى لنيل رضى الناس، حتى وإن أغضبنا رب الناس، فكيف لنا أن نُقدر ونُحترم، فعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ قال: من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس؛ ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.
وختامًا نقول، التقدير والرضى الذي ينبغى علينا أن نحرص عليه هو رضى المولى علينا أولا، ومن ثم رضانا عن ذواتنا، فالرضى الذي ينبع من داخلنا مستمر وذاتي الحركة، بينما رضى وتقدير الآخرين لحظي ومنقطع، وفوق ذلك كله قد يحصل وقد لا يحصل، وإذا تعلقنا به أصبحنا كالعربات التي لا تتحرك إلا عندما يضع الآخرون بها وقودًا وإلا توقفت في عرض الطريق.
وصدق المتنبي حين قال:
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
azmani21@