من هذه الأماكن العامة على سبيل المثال لا الحصر، المتنزهات والأماكن المفتوحة، التي يخرج لها الناس فِراداً أو جماعات يمارسون فيها حرياتهم وهواياتهم المُحببة وأنواع الرياضات، وقد يجد البعض بهذه النزهة متنفسه الأوحد، فيرغب في أن يختلي بنفسه قليلاً بعيداً عن صخب المحيطين به، لذا ليس من المنطقية بمكان اقتحام خصوصيتهم وانتهاك حقهم في عزلتهم وإجبارهم تحت ضغط المجاملات بجلوس الآخرين معهم دون معرفة مسبقة، ودون رغبتهم ودون أخذ الإذن منهم في مشاركتهم الجلوس أو حتى انتظار تلقي دعوة منهم بالمشاركة في التنزه بشكل عام، لقد مررت بهذه التجربة وأعرف جيداً شعور أن تكون حريتك مُغتصبة، وأن تتحول نزهتك وفرصتك الوحيدة للتنفس والاستجمام إلى ضغط واختناق نفسي، بعد أن داهمت جلستي سيدة غريبة لا أعرفها، واستباحت بساطي الشخصي في مكان نزهتي وافترشته عنوةً وبدون إذن مني بدافع تعبها من السير، فقررت أن تتوقف مكان جلوسي في محاولة بائسة لافتعال
حوار، الذي كان أثقل حوار مرّ عليّ في حياتي، وأنهت برعونتها فرصتي في ممارسة القراءة والتأمل والهدوء في نزهتي هذه، كما قامت باستدراج الباعة المتجولين لمكان جلوسي ومحاولة إحراجي بأمر دفع الحساب لهم بدلاً منها..!
لا يمكنكم تصور كمية حيرتي ودهشتي من تصرفها وخوفي من دوافعها، وهذا أمر طبيعي، أصحاب المواقف الغريبة مدعاة للشك والحذر بالفطرة، كيف لشخص يداهم الجلسات الخاصة بالآخرين، ويشاركهم قصراً موائدهم ويتلصص على حواراتهم المباشرة بين بعضهم البعض أو مكالماتهم الهاتفية، الأمر الذي
جعلني أغادر مكان نزهتي عائدة لمنزلي حفاظاً على ما بقي من وقتي المُستقطع لراحتي، وحِرصاً على نفسي وأطفالي من خطر ما، وكذلك حرصت أن تكون ردة فعلي رسالة مباشرة لأبنائي بأن الغرباء يبقون غرباء، يجب ألا نجعلهم يقتربون منا ولا نمنحهم ثقة الأقارب والأصدقاء!
فكثير من أحداثنا الاجتماعية الجرائمية كخطف الأطفال والتسول والسرقات والسحر والابتزاز وتضليل رجال الأمن كانت هذه بسبب تخفي مثل هؤلاء بين العوائل والأفراد في الأماكن العامة، والتظاهر بأنهم عائلة واحدة، علمتنا المواقف والكثير من القِصص أن الطيبة إلى حد السذاجة المفرطة لا تقل خطورة عن الشك المفرط أو أنهما كلاهما يؤديان لنفس النتيجة، لكن هناك أموراً منطقياً لا يمكن قياسها وتقبلها ولا استساغتها، وجودك مع غريب عنك في أماكن خاصة بك تجعلك عرضة لما يتعرض له تماماً هذا الشخص، في حال كانت تحركاته مشبوهة عند رجال الأمن، في حال كان مراقبا، ويُتحرى عن آخرين معه، فوجوده مثير للشك بوجود علاقة بينكما ولا منطقية لنكرانك هذه العلاقة وأنت لا تملك تفسيراً لتواجده معك في مكان واحد، وتتبادلان الأحاديث وتقضيان فترة النزهة كاملة مع بعضكما البعض أو أغلب وقت التنزه!!
هذا أمر أمني خطير أيضاً يجب التنبه له، ويجب علينا أن نرفع حس الوعي الاجتماعي عامة بالتوجيه، وعقد دورات عامة في مسألة الذوق العام ومناقشة ذلك ببعديه الأمني والنفسي في خطاباتنا في المساجد والمدارس وأماكن العمل وأماكن تجمعات
الناس بضرورة توخي الحذر من مثل هذه التصرفات للحماية الأمنية الوطنية والاجتماعية، وكذلك رفع معدل الذوق العام لدى أفراد المجتمع بكل أطيافه ومستوياته بعدم التطفل على خصوصيات الآخرين، للحفاظ على راحة وسلامة الجميع والحصول على مجتمع مثالي خالٍ من المُتطفلين، والتشديد بالتوعية ورفع مستوى الذوق العام لدى كِبار السن حتى لا يتم استغلالهم في شبهة أمنية أو التمرير لبعض الجرائم
من خلالهم لثقة المجتمع بهم وتعاطفه معهم واحترامهم، الذي يجب أيضاً ألا يُستغلونه بفرضهم أنفسهم على مقاعد الناس أو نزهاتهم وعدم إحراجهم في مكان هم أحوج فيه للراحة والهدوء والاستجمام.
[email protected]