وقد دعا الدين الإسلامي إلى التكافل الاجتماعي ودفع الزكاة والصدقة وإعانة المحتاج، كما تعوذ المصطفى الكريم من الفقر في قوله «اللهم إني أعوذ بك من الكفر وأعوذ بك من الفقر» فالفقر تعاسة بكل ما تعنيه حروفه.
وإذا كنا ولله الحمد في المملكة غالبا لم يصل فيها الفقراء لمرحلة الفقر المطلق والتي يكابد فيها الشخص ليعيش فقط وقد يموت جوعا في أي لحظة، فنحن ولله الحمد ننعم بتكافل اجتماعي راق وحس إنساني عال من قبل مؤسسات الدولة الرسمية التي كفلت العيش الكريم للأسر المحتاجة والمطلقات والأرامل وفتحت المجال للعديد من الجمعيات لتقدم خدمات مساندة بشرط استيفائه شروط الإعانة كما يتعامل الأغنياء بسخاء مع المحتاجين.
ورغم ذلك فلا تسعى بعض الأسر لتحقيق الاكتفاء من خلال حسن تدبير المال أو استثماره ! بل تلجأ للأسف للمتاجرة بالفقر والتسول المبطن والحصول على المال من كل المؤسسات الخيرية المتاحة والأفراد وتضخيم حاجتها حتى وإن كانت مكفولة من جهة أو اثنتين ! ولديها دخل يسد حاجتها ! وإن كان الوضع العالمي أضر بالفقير والغني على حد سواء لكن سوء التدبير والرفاهية الزائفة هي المعين الأساسي على الانغماس في الحاجة واستمراء الطلب.
وللباحثين في مجال الأسر المحتاجة قصص تروى ومواقف تثبت أن البعض اعتاد الطلب واتكل عليه ! وإن كانت الأسر المتعففة مستثناة من هذا الحديث فهي لا تقبل أن يطلق عليها لفظة «فقير» أصلا ! ولا تُعرف إلا من خلال جار أو صديق يسعى لهم.
في هذا المقال لا ننكر الحاجة والفقر ولا نقلل من شأنه بل هو حقيقة لا يمكن إنكارها كما لا يمكن إنكار مكابدة التوافق مع متطلبات الحياة المتقدمة والتي تدفع بعض المحتاجين لسلوك كافة الطرق المشروعة وغير المشروعة ! للتجاوب مع حاجتهم وإقناع الآخرين بها ! ومنها بعض التسجيلات والمقاطع التي يلجأ لها من تقطعت بهم السبل للوصول السريع للمعنيين استنادا لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات كما يلجأ الجائع الذي يوشك على الموت لسرقة ما يسد جوعته، وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن قول عمر رضي الله عنه بعدم القطع في عام المجاعة فقال «إي لعمري، لا أقطعه إذا حملته الحاجة، والناس في شدة ومجاعة» والمبدأ العام في الإسلام «درء الحدود بالشبهات» فالسارق تقطع يده لكن إذا وجدت حاجة ملحة ينظر في أمره.
وتبرز الطرق غير المشروعة وإن كانت لا تليق مهما كان ! كحل أخير للحياة كما في رواية البؤساء للكاتب الفرنسي فيكتور هوجو في قصة سارق الرغيف الذي أجبره الجوع على السرقة فسجن ! وحيث إن الجمعيات الخيرية والجهات ذات العلاقة تعتمد على الباحثين الاجتماعيين فإن الكثير منهم يقع ضحية التعاطف والتدليس بنية الخير وعدم قطع الأرزاق وهروبا من الدعوات التي قد تناله من الأسرة التي تم كشفها ! فمن يكذب ويزور دون حاجة تدفعه لذلك فهو غير مستحق للإعانة ! وإذا ما أيقن الباحث أنه مؤتمن على المال الذي غالبا هو من أموال الزكاة التي لا يجوز صرفها إلا لمستحقيها أو صدقات من الأولى أن تذهب لأهلها فسيتحرى الدقة بقدر ما يستطيع، وحيث إن المال الذي سيصرف للأسرة غير المحتاجة والتي تستطيع بحسن التدبير أن ترتب دخلها وتنظمه قد يمنع أخرى أكثر حاجة من الاستفادة نظرا لأن الضغط على ميزانيات الجمعيات سيضطرها لرفض المحتاجين الحقيقيين، فالباحث شخصية يجب أن تكون قادرة على الحكم الصحيح من خلال سمات معينة كالقدرة على الاستماع والتعاطف والحفاظ على الخصوصية والدقة، ولأن مهمة الباحث أمانة ومسؤولية فعمله يمر بعدة مراحل حتى يستطيع إصدار الحكم الصحيح، يبدأ بالاستماع الجيد للحالة ثم جمع المستندات والتحري من صحتها ومطابقتها ثم زيارة الأسرة لمرتين، مرة بموعد وأخرى زيارة مفاجئة، ثم الحكم بما يراه مناسبا والحكم هي أقسى مرحلة كالقاضي حين يحرص على أن يقضي بالعدل ! فإن أصاب فتوفيق من الله وإن أخطأ فقد اجتهد بما يستطيع، أما إن كان المال من شخص معين وهو يعرف حال الأسرة وإنما يعطيهم ليس لفقرهم فقط بل صلة لهم أو لأي غرض آخر فهو ماله الخاص ومأجور على أي حال.. وفي المقال القادم سأتحدث عن أكثر الحيل انتشارا بين الأسر المستكثرة.
فاصل:
أشد حالات الفقر فقر الأخلاق
وفقر الدراهم رغم ما فيه هيّن
هاذاك ما يوجد علاجه بالأسواق
وهذاك تأخذ قرض والا تديّن
@ghannia