إن الاستثمار في السينما قديم جدا، وقد حظي باهتمام بالغ على مستوى العالم في مختلف العصور، حيث مر بمراحل طويلة ومختلفة لست بصدد الحديث عنها، ربما تكون الفترة المنصرمة من عمر الزمن بدون سينما انتهت وبقيت في ذاكرة التاريخ كمرحلة سابقة توقفت لعدة ظروف، وعندما سنحت الفرصة للتغير كان لا بد من أن يكون التغير مختلفا ومؤثرا، وهذا بالضبط ما نشهده في الفترة الحالية من انتعاش للسينما. والحقيقة أن السينما أصبحت واقعا معاشا وظاهرة يصعب منعها أو محاصرتها أو إجبار الناس على تجاهلها، فنحن في السعودية عندما كنا لا نملك دار عرض سينمائية واحدة، كنا نملك في بيوتنا محطات فضائية تبث أفلاما أجنبية مختلفة، وفي ظل الانفتاح الإعلامي والفضائي لم تعد المسألة مسألة ترف أو تقليد، بل مسألة خيار لا بد من خوضه، فبدل أن ينشأ أطفالنا على أفلام «هوليوود» و«بوليوود» يمكن نقلهم بسلاسة إلى أفلام محلية تلامس الواقع وتبتعد عن العنف والإسفاف، فوجود صالات سينما محلية يعتبر بالغ الأهمية في خطوات التأسيس لصناعة سينمائية محلية مميزة إذ يستمد الإنتاج السينمائي ربحيته في أي مكان بالعالم من السوق المحلية منطلقاً بعده إلى آفاق أرحب، فكل الآمال التي تعلقت حول إمكانية أن تجمع صالات السينما شتات السينمائيين السعوديين في المهرجانات الدولية أو منصات العرض الإلكترونية باءت بالفشل، إذ لم تعرض صالات السينما المحلية سوى القلة من الأفلام السينمائية السعودية رغم كثرة المتطلعين لخوض هذه التجربة منذ الإعلان الأول عنها، وقاد عدد من المنتجين والمخرجين السعوديين مطالبةً على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إعادة صياغة النظام الضريبي ما يضمن عدالة المنافسة بعيداً عن المساواة، التي لا تفرق بين منتج عالمي وآخر محلي في طور التكوين، إذ تفرض هيئة الإعلام المرئي والمسموع ما تسميه «رسوم خدمة»، بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة الأمر الذي أسهم في تضخم أسعار التذاكر مقارنةً بأسواق أخرى إقليمية وعالمية، وهو ما يصعّب من مهمة المنتجين المحليين المغمورين في مواجهة إنتاج عالمي يملك قاعدة سينمائية قادرة على المنافسة بغض النظر عن قيمة التذكرة. أيضا التعويل على المستثمر في عملية الإنتاج، فالسوق تفتقر لمستثمرين لديهم الرغبة في دخول مخاطرة الاستثمار السينمائي لتجارب وليدة، خاصةً في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج ومحدودية الربحية، الأمر الذي يزيد من أهمية وجود صناديق تمويل أكثر، ويبدو أن أنظمة العمل السينمائي تحت مظلة وزارة الإعلام ممثلةً في هيئة الإعلام المرئي والمسموع بحاجة لمراجعة على الأقل من وجهة نظر السينمائيين السعوديين، الذين يخطون خطواتهم الأولى، فالتعطش إلى السينما في المملكة لم يكن على حساب النوع والجودة، ولكننا بحاجة إلى إعادة النصاب وتعديل الكفة، الأحساء مثلا تمتلك إنتاجا سينمائيا ضخما، وأفلاما قصيرة وأخرى طويلة لم تجد فرصتها حتى الآن للظهور رغم حرص جمعية الثقافة والفنون ممثلة في نادي السينما على احتواء الكوادر ولم شمل المهتمين بهذا الحراك إلا أننا مازلنا بحاجة للدعم والاستثمار الحقيقي والجرأة على خوض غمار المنافسة عالميا، ولن يكون ذلك إلا بسخاء أهل الاختصاص وإيمانهم بأن شبابنا قادر على صناعة التغير.
@DoniaJabr