أليس الأجدر بهم، إذا كانوا قد ورثوا الحكمة من أجدادهم والروية من آبائهم، أن يسعوا لرفع معاناة شعبهم ويحسّنوا من مستواه المعيشي المتدني، بدلا من صنع الأسلحة والصواريخ وتصديرها للعبث بأمن المنطقة. أن يلتفتوا إلى بنيتهم التحتية، التي أقل ما يقال عنها إنها مهترئة، ففي مجال الصحة تظهر أرقام منظمة الصحة العالمية أن إيران ومعها بعض بدول أفريقيا وأمريكا اللاتينية في أدنى مستوى لها عند مؤشر إعطاء اللقاحات عن مرض كوفيد 19 وعلاجه.
في عام 2008، كنت في زيارة سياحية دينية مع العائلة لإيران، تنقلت فيها إلى أربع مدن: مشهد، قم، طهران، شيراز، وكنت طوال الرحلة، التي استغرقت أكثر من عشرين يوما أحاول الاقتراب فيها من الشباب الإيراني، محاولة مني لاستدراجه في الحديث عن أوضاعهم الحياتية، وكل الذين قابلتهم سواء في التاكسي أو الأسواق أو المزارات الدينية، وما رأيته كذلك، وما لاحظته أيضا بشكل عام، كان يشير أو يؤكد حقيقة سافرة، وهي القبضة البوليسية، التي كان النظام يتحكم بها في حياة الناس إلى درجة أنك لا تستطيع أن تسأل أي شخص منهم، خصوصا فئة الشباب عن رأيه في مسألة بسيطة مثلا كالغناء أهو حلال أم حرام؟!
رغم أن سلوكه معك يدل على أنه لا يكترث بالمسألة، فهو خاضع إلى كل مظاهر الحداثة المكتسبة من الحياة المعاصرة، ويريد أن يعيشها بكل تفاصيلها، كما يعيشها أي فرد من الشباب الأوروبي. لكن النظام عبر أكثر من ثلاثة عقود استطاع أن يدجن هؤلاء الشباب من شدة الخوف، الذي يسيطر على نفوسهم، ويحولهم إلى كائنات مرعوبة تتحدث بحذر، وتتلفت يمينا ويسرا إذا أرادت أن تجيب عن سؤالك مهما كان هذا السؤال بسيطا.
وإذا ما أردت أن تعرف المزيد عن الداخل الإيراني، خذ السينما الإيرانية، التي تمتاز بالواقعية على طريقة الواقعية في السينما الإيطالية، إذ مؤخرا شاهدت فيلمين إيرانيين، الأول للمخرج الإيراني المشهور مجيد مجيدي «أبناء الشمس» وهو المرشح لجائزة الأوسكار 2021 لفئة الأفلام الأجنبية، الذي يحكي فيه عن الكيفية، التي يتم فيها استغلال الأطفال من الطبقة الفقيرة، الذين لا يجدون فرصة للتعليم الجيد، وذلك لأعمال إجرامية كالمخدرات، فـ«أبناء الشمس» عبارة عن مدرسة خيرية هدفها تعليم هؤلاء الأطفال. لكن لا النظام ولا أبناء المجتمع الراقي يستطيع أن يساعد في استمرار هذه المدرسة، فتغلق في النهاية. بينما الفيلم الآخر هو للمخرج الإيراني محمد روسولوف «لا وجود للشيطان» (there is no evil)، الذي فاز بجائزة الدب الذهبي لمهرجان برلين السينمائي لعام 2020، الذي تدور أحداثه وتركز فيه حول قضية الإعدام، الذي ينشط النظام في تطبيقه، وذلك عبر أربع قصص منفصلة لأربعة أشخاص. لكنها تأتي جميعها ضمن هذا السياق، فالفيلم يدين النظام ويوضح كيف باستطاعة هذه العقوبة أن تؤثر على حياة الجنود، الذين يقومون بتنفيذ أوامر الإعدامات كقانون ملزم، البعض يؤنبه ضميره ويتمرد، والبعض الآخر يقوم بالتنفيذ باعتباره عملا كأي عمل آخر يقوم بتأديته.