لكوننا بشرا، فقد يعترينا ما يعتري غيرنا من الضغوط والمشاكل، لكننا نتفاوت في كيفية تحكمنا بانفعالاتنا، فالبعض منا قادر على كبح زمام نفسه والتحكم في ردود أفعاله، والبعض الآخر منا لا يكلف نفسه عناء المحاولة، فيترك العنان لنفسه الغاضبة فتعود عليه دوما بالخسارة والحسرة، فعدم ضبط النفس يفضي إلى الغضب والذي ينظر إليه علماء النفس على أنه شكل من أشكال رد الفعل والتعامل مع التهديدات الحياتية المفتعلة وغير المفتعلة، لذا تجد البعض يتعرض لموقف يثير غضبه في بيته مع أفراد أسرته، أو في الطريق مع المارة أو قائدي المركبات، أو في العمل مع الزملاء والرؤساء، أو في السوق مع الباعة والمتسوقين، وتختلف ردود أفعالنا تجاه هذه المواقف المختلفة باختلاف طبيعتنا، فحين أنك تجد البعض منا يدخل في صراع ومعارك محتدمة، تجد البعض الآخر هادئا لا تستفزه المؤثرات الخارجية ولا تدفعه إلى التهور، ويرى راين مارتن أستاذ علم النفس في جامعة ويسكونسن نقلا عن موقع تد بالعربي أن الأفكار التي تتولد لدينا في الوهلة الأولى من الغضب يمكن أن تجعلنا نفقد السيطرة تماما على مشاعرنا أو يمكن أن تساعدنا على التحكم فيها إلى الأبد، فمناط ذلك كله على ردة الفعل الأولية التي تتكون لدينا تجاه المؤثر الخارجي، ولذا، عندما طلب الصحابي من النبي عليه الصلاة والسلام أن يوصيه قال له (لا تغضب) قال الصحابي ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله.
الغضب أمر فطري ودافع غريزي يدفعنا إلى أن نحافظ على حقوقنا من السلب أو لكرامتنا من أن تستباح، أو لديننا من أن ينتقص أو لوطننا من أن يهان، ولكن الغضب قد يتحول إلى مشكلة إذا أطلقنا له العنان وتركناه يعبث بنا، ولو تذكرنا موقفا أغضبنا لأيقنا حتما بأننا كنا على خطأ وأنه كان بإمكاننا أن نكون أكثر هدوءا وأقل حدة، ولعرفنا أن الأمر لم يكن ليستحق ذلك الغضب كله.
ولكي نتحكم بردود أفعالنا فعلينا أن نعمل بوصية النبي عليه الصلاة والسلام للصحابي في الحديث السابق ووصيته الأخرى حين قال (إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتصبر يصبره الله) وأن نعود أنفسنا على ذلك، ولنعلم أن الغضب لن يغير شيئا قد حصل، ولن يعيد مالا قد فقد، ولن يصلح سيارة قد تعطلت، ولن يعيد وقتا قد ذهب، بل على العكس من ذلك فقد يزيد الأمر تعقيدا والوقت تأخيرا، فعندما تتعرض لما يغضبك فعليك أن تضبط نفسك وتختار كيف سيؤثر رد فعلك على الموقف الذي ستتخذه، ولنفترض أنك تعرضت لحادث سير لا قدر الله، وأخذت في الصراخ والمشاجرة مع من تسبب في الحادث فهل سترجع سيارتك كما كانت، بالطبع لا، وهل سيكون من تتشاجر معه عاقلا بحيث انه لن يتجاوز حدوده فيعتدي عليك، فيشق لك رأسا أو يكسر لك يدا أو يفقأ لك عينا.
الحياة قصيرة، لا تذهب متعتها بمعارك يومية طاحنة، أنت الخاسر الأول فيها، واعلم أن الغاضب لا مشكلة حل ولا نصرا حقق، لذا عالج الأمور بروية وهدوء لكي تتفتح لك الأبواب التي لم تكن لتراها وأنت غاضب، واترك من يشجعك على ردود أفعالك الخاطئة وتعامل مع الناس كما تحب أن يتعاملوا معك.
قال العرجي:
وإذا غضبت فكن وقورا كاظما
للغيظ تبصر ما تقول وتسمع
فكفى به شرفا تبصر ساعة
يرضى بها عنك الإله وترفع
azmani21@