ولكونها من مهارات التواصل التي لا تظهر إلا في حالة وجود التأثير المتبادل بين الأشخاص، فهي في الحقيقة مهارة مجتمعية بامتياز.
إن مما يزيد أمر هذه الموهبة جمالا، كونها تظهر في أشكال مختلفة. فتارة نراها في حماسة ذلك القائد وبهجته أثناء حديثه وقدرته على إلهام السامعين وإدخالهم في جو من الشعور الإيجابي والتعاطف، وقد تظهر تارة أخرى في شخص قليل الكلام مقتصد الحركة ونادر الابتسام، ولكن الحضور يلتقط من سقط تلك التعابير ما يجذبهم ويحركهم.
فما هي تلك الصفة وهل يمكن تعلمها أو صقلها بالمران. أم أنها لا بد أن تولد مع المرء وتصاحبه في مراحل وظروف حياته المختلفة.
لو تأملت فيما روي عن وصف أم معبد رضي الله تعالى عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قالت في وصفه: «إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر ابتدروا إلى أمره». فعلى الرغم من العواطف القوية التي يثيرونها في كثير من الأحيان في الآخرين، فإنه من الواضح أن أصحاب الشخصيات المتميزة يظهرون عمومًا هدوءا وثقة وتركيزًا غير عاديين، ويمتلكون مهارات تواصل بصرية وكلامية ولغة جسد معبرة ومميزة آسرة تدعو الآخرين إلى الإنصات والمتابعة.
أما الصفة الثانية التي يتحلى بها الأشخاص ذوو التأثير العالي، فهي التفاؤل والقدرة على رؤية الجوانب المشرقة من الحياة وإيصالها للآخرين.
نستذكر تلك الروح الإيجابية عندما نتأمل كلمات سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان والتي يرسم بها الخطوط العريضة لرؤيته - حفظه الله - لمستقبل المملكة، بقوله «لسنا قلقين على مستقبل المملكة، بل نتطلّع إلى مستقبلٍ أكثرَ إشراقًا، قادرون على أن نصنعه - بعون الله - بثرواتها البشرية والطبيعية والمكتسبة التي أنعم الله بها عليها».
هي تلك الروح الواثقة التي توحد الناس نحو هدف مشترك يسعون له جميعا، والتي تجسد القيادة بالفطرة. فالقائد هو صاحب الأمل الجميل بوطن طموح واقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي، والضامن بإذن الله لتحويله إلى واقع ملموس.
ويمثل سعة الأفق والاهتمام بالصالح العام إحدى أهم صفات القادة الكريزماتيين. فهو شخص لديه اهتمام حقيقي بالآخرين فهو مدرك للأشياء الصغيرة مثل التغير في ظروف الناس وطرق تفكيرهم وما هي الأولويات التي يهتمون بها وتؤثر فيهم.
يحدثنا التاريخ عن أمير شاب آخر لم يتجاوز الخامسة والعشرين بدأ عهدا جديدا في بلاده وأحدث نقلة نوعية على كل الأصعدة امتدت لثلاثة عقود رسمت لبلاد الأندلس هيبتها ومكانتها العالمية، صقر قريش الأمير الأندلسي عبدالرحمن الداخل وقد أورد المؤرخ ابن حيان في صفته ما مفاده: «كان راجح العقل، راسخ الحلم، واسع العلم، ثاقب الفهم، كثير الحزم، نافذ العزم، بريئًا من العجز، سريع النهضة، متصل الحركة، لا يخلد إلى راحة، ولا يسكن إلى دعة، بعيد الغور، شديد الحدّة، قليل الطمأنينة، بليغًا مفوّهًا، شاعرًا محسنًا، سمحًا سخيًا، طلق اللسان، وكان قد أعطي هيبة من وليّه وعدوه». انتهى كلامه - رحمه الله -.
وقد اتسم عهده ببناء مشاريع وبرامج عملاقة كمسجد قرطبة العظيم وحديقة الرصافة العجيبة وغيرها من المشاريع التي سبقت زمنها وأصبحت رمزا لإلهام العالم وأيقونة تشرئب لها الأعناق، فلعلها روح الشباب في موقع القيادة، وما أشبه الليلة بالبارحة.
وتكمن المفارقة في أن القادة الكريزماتيين لا يبذلون جهدا متصنعا لتقمص تلك الشخصية، فهم يتصرفون على سجيتهم دون الاهتمام الزائد بلفت انتباه الآخرين مما يعكس توافقا عاليا مع الذات ورضا عن النفس يحسه من خالطهم.
إنهم لا يتحدثون كثيرًا لإثارة إعجاب من حولهم، ولا يبتدعون قصصا لجذب الانتباه، ولا يتصرفون وكأنهم يعرفون كل شيء بل هم في حالة راحة مع الذات وتلقائية في التعامل تصحبها ابتسامة واثقة ورؤية للمستقبل ثاقبة بغض النظر عن التحديات والظروف المحيطة.
وختاما، إن الكاريزما في أغلب أحوالها ما هي إلا منحة ربانية يمن بها على من يشاء، إلا أن محاولة التمثل والاقتداء ببعض صفات من حباهم الله هذه الملكة يصنع فرقا في قدرة الشخص على التأثير في الآخرين وقيادتهم. فعلى من حباه الله بهذه الصفة أن يسخرها في خدمتهم وقيادتهم إلى طريق الخير.
@tamimmatouk