الكثير من الناس يتجاهلون الاعتناء بصحتهم النفسية، ويبدأون يحمّلونها الكثير من الهموم والضغوط، التي تؤثر سلبا على تصرفاتهم وسلوكياتهم مع الآخرين. وكثير من هذه الهموم والضغوط مصدرها خارجي يكتسبها الإنسان بنفسه، بل إن الكثيرين للأسف الشديد يسعون من حيث لا يعلمون لاكتساب هذه الضغوط من خلال متابعتهم لحياة كثير من المشاهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومحاولة تقمص حياتهم ولو بالأحلام، مما يشكل ضغطا نفسيا وهما مركبا يؤثر على حياتهم، ويجعلهم يعيشون واقعا مزيفا يربك حياتهم ويزيدها هما على هم، وتكون حياتهم كبالونة تنفخها المشاكل حتى تصل إلى مرحلة الانفجار، فلا ينفعهم ساعة مندم حينها. بل إن طريقة تفكيرنا في أنفسنا تحتاج إلى كثير من الوقفات؛ لأن هذه التراكمات إن لم تعالج ستترك أثرا في النفس يصعب إصلاحه، بل إنها برأيي تؤثر في حياتنا وعلاقاتنا الشخصية بمختلف مستوياتها.
واليوم مع افتتان الكثيرين نساء ورجالا، صغارا وكبارا بمشاهير الإعلام الاجتماعي، انتشر بين الكثيرين منهم مبدأ حب النفس وتدليلها والاعتناء بها دون أن تشغل نفسك بمسؤولياتك الطبيعية، التي يرونها أنها تهلك حياتك النفسية وتؤثر عليها سلبا، وقد ظهر للأسف دعاة لهذا المفهوم من بعض مشاهير حسابات التواصل الاجتماعي من الجنسين، ركّزوا فيه على الأمور السطحية مثل الخروج للمقاهي والمطاعم والاستراحات وتجمعات الأصدقاء والصديقات دون الاهتمام الحقيقي بالحاجات النفسية الحقيقية. حتى تحولت هذه الظاهرة لشيء مختلف ظاهره وباطنه الأنانية، وأصبحت الأسر تعاني من فراغ كبير لانشغال أعمدتها بأنفسهم، بل إنه أصبح واضحا أن أفراد الأسرة في البيت الواحد يعيشون عوالم مختلفة، فانشغال الأم والأب على وجه الخصوص بوسائل التواصل الاجتماعي وافتتانهم بها قد يخلق شرخا كبيرا في حياتنا الاجتماعية، ويؤثر عكسيا على أسلوب تربية الأبناء والبنات مما يؤدى إلى خلق جيل هش لا يتناسب مع متطلبات الحياة وظروفها، واليوم رؤية المملكة 2030 وضعت الأسرة في جل اهتمامها، لأجل بناء مجتمع حيوي متفاعل يساهم في ترسيخ القيم الإيجابية في شخصيات الأبناء، ويبقى الدور الأكبر على الوالدين بصفة خاصة، والمجتمع بصفة عامة في تعزيز هذه القيم في نفوس الأبناء، فالمجتمع في هذا الزمان أحوج ما يكون إلى أعضاء فاعلين يساهمون في بنائه ويحافظون على قيمه، خاصة مع كثرة معاول الهدم، التي تنخر في قيمنا وعاداتنا وتسفهها أمام أبنائنا ليل نهار عبر وسائل تواصل يصعب على الوالدين السيطرة عليها، لذا يزداد دور الأسرة في مد هذا المجتمع بالشخصيات النافعة، التي تساهم في تحقيق مجتمعنا لأهدافه التنموية.
وللأسف كلما همشنا من دور الأسرة، وأثرنا عليها في طريقة تربية أبنائها سينعكس ذلك سلبا على مجتمعنا، وسينتج لنا جيلا سيهدم قيمنا وعاداتنا، التي سعينا للمحافظة عليها، وستتأثر أيضا حياتنا بكل تفاصيلها، فبناء الشخصيات المنتجة والفاعلة في المجتمع يتطلب أن نولي الأسرة اهتمامنا الكبير ونمكنها من تربية أبنائها التربية الصحيحة، وأسرنا تحتاج مَنْ يعينها على أداء واجباتها، فمجتمعنا يحتاج لجيل متزن وفاعل، وهذا لن يأتي إلا بتكاتف جميع منظومات مجتمعنا.
@dhfeeri