ومع مطلع الألفية الجديدة، انتشرت أجهزة (البيجر والجوال) فأصبح صاحبنا ذا شخصية مهمة بين أقرانه، فهو يملك بيجرا من نوع (شاهين) وأصبح يخرج إلى المقاهي برفقة أصحابه حتى ساعات متأخرة (قليلا) من الليل، وحين ينشغل بال والديه عليه، يستقبل (رنة) على بيجره ليتصل عليهما من أقرب هاتف (أرضي) يطمئنهما على حاله، كبر (سمير) قليلا وطالب بجهاز جوال (نوكيا) من باب المقارنة ومقارعة أصحابه في الأفضلية، ولبى والداه طلبه وأصبح ذا حظوة بين أقرانه لا مثيل لها.
انتصفت الألفية الجديدة بمسمى جديد لم يسمع به أحد قط (المواطن الإعلامي) هذه المقولة، التي سمحت لصاحبنا بممارسة دور الصحفي على مرأى ومسمع الجميع، فهو يمارس حريته الشخصية في حدود (المواطنة الإعلامية)، التي لم يوضع لها قوانين ونصوص وأطر لتتماشى مع التطورات التقنية الحديثة، فهي نتاج وصناعة من أحزاب (تجارية) تمارس سطوتها السياسية والاجتماعية بالمال، فكلما أصبح المواطن العادي (إعلاميا) زادت كمية البيانات الرقمية، التي يستطيعون الحصول عليها، فالزمن يلزم التجار على تغيير تجارتهم واستثماراتهم.
تزوج (سمير) وارتبط بامرأة تشابهه في الشخصية، فهي تعشق (جوالها) وبرامج التواصل الاجتماعي لتسرد يومياتها وآخر ما اقتناه لها زوجها، وكيف تعيش معيشة مرفهة (مع أنني نسيت إخباركم بأن سمير من ذوي الدخل المتوسط)، فممارسة الخداع في طريقة الحياة هي للأسف تجارة رابحة في عالم البيانات الرقمية.
ذلك لا يهم، المهم كيف تحولنا مثل سمير وزوجه، فالزوج أصبح يطلب من زوجته من خلال (الواتس آب) والزوجة تناقش زوجها فيما يتعلق بحياتهما ومصير أولادهما عبر (السناب تشات) وابنته تطالبه بشراء عقد من الذهب عن طريق أحد المتاجر في (انستجرام) وعن طريق الـ (DM الرسائل المباشر) لنفس المنصة.... إلى أين نتجه في التواصل الإنساني؟ إلى أين نتجه في الاتصال الفعال ما بين الزوج وزوجته وأبنائه؟ سأصدمكم بطلب، فليراقب كل منكم عدد الساعات المهدورة يوميا على برامج التواصل فيما لا يسمن ولا يغني من جوع! سأصدقكم القول... إنها وسائل شلل اجتماعي لا تواصل فاحذروا!.