اعتاد البعض على ربط بعض المصطلحات بصور أو ألوان معينة، وربما لاعتقاده بوجود علاقة رمزية بينهما بشكل أو بآخر. والصور الذهنية لبعض المصطلحات أو المفاهيم يترجمها العقل على أرض الواقع بتصاميم تعبيرية أو فنون تشكيلية معينة، ليكشف لنا على ثقافته وبيئته المحيطة. على سبيل المثال، الصورة الذهنية للإنسان المُثَقَّف ترتبط عادةً بوجود كتاب أو قهوة أو مكتبة خشبية وغيرها من الأدوات التي توحي إلى البعض منا ببيئة مُفعمة بالمعلومات الأدبية أو العلمية. وفِي هذه الزاوية أحببت أن أشارك القارئ وجهة نظري بالمعنى الآخر لكلمة «مُثقف» ولكن قبل ذلك يجب أن أشير إلى ما ذكرته الدكتورة نورما غونزاليس في تعريفها لكلمة «الثقافة». توصلت الدكتورة غونزاليس في كلية التربية والعلوم الإنسانية بجامعة أريزونا إلى تعريف منطقي يساعد العقل على استيعاب المفهوم الفردي بأشكال مختلفة بعيداً عن حصرها في زاوية واحدة. فالسؤال هنا، ما معنى كلمة «ثقافة» ومن هو «المُثَقَّف» ولماذا سُمي بهذا الاسم؟. وضحت الدكتورة غونزاليس في كتابها الثري «الروافد المعرفية» المعنى الدقيق لكلمة «الثقافة». حيث إنها استنتجت بعد دراسة طويلة وعميقة المصدر الفعلي لتلك الكلمة فوجدت أن الثقافة التي يتحدث عنها الجميع ما هي إلا ممارسات تنظيرية أو تطبيقية إما خاصة أو عامة. فالمُثقف هو الممارس الفعلي لأمر يقوم به الفرد أو الجماعة لأغراض مختلفة، فيكون للإتقان دور في تبادل المنافع بأشكال مختلفة. فالإنسان إذا مارس مهنة ما أو مهارة ما أو سلوك معين فإنه يعتبر مُثقفا، بغض النظر عن إيجابيات أو سلبيات الممارسة. فمثلاً، عندما يمارس الطفل لعبة تركيب القطع يومياً بمهارة فإننا نراه مُثقفا في هذه اللعبة ولكننا نستعين بألقاب أخرى وذلك لحصرية كلمة مُثقف في نطاق أكاديمي ضيق. وعند الاستفادة من خبرته ومهاراته في تعلم كيفية التشكيل الهندسي ولربما كيفية تناسب الألوان بزوايا ابتكارية متفاوتة فإننا نستدل بذلك على ثقافته المعرفية المكتسبة من خلال هذه اللعبة. وهذا من الناحية الإيجابية، ولكن قد يكون الشخص مُثقّفا في أمر سلبي كالسرقة. فالسارق يمارس عادة السرقة بمهارة حتى أصبح للتسول والسرقة مُعلم مُثقف-ممارس- يستعين به من هم على شاكلته مع الأسف. ولكن الفكر الأكاديمي جعلنا نُقنن -أحياناً- استخدام بعض المفاهيم والمصطلحات. والمُثقف لا يعني فقط أن تكون قارئا نهماً بل إن أبعاد هذا اللقب تتجاوز حاجز القراءة ليكون أبعد من ذلك. ومن وجهة نظري، علينا أن نوسع مداركنا الفكرية لنعطي أطفالنا مساحة معرفية وتعليمية واسعة. فالانفتاح والتطور الذي يعيشه طفل المستقبل سيضيف له مواد ذات محتويات جديدة قد لا ندركها الآن ولكنها ولربما ستكون أساسية بالنسبة له. وأخيراً، فإن للألعاب ثقافة ولبعض المهارات المُبتكرة ثقافة والرياضة ثقافة وأي ممارسة يقوم بها طفلك تعتبر ثقافة.
FofKEDL@