نميل دوما إلى تجاهل الدور الرئيسي لمشاعر الخزي في حياتنا، ونحاول الرمز للتجربة بكلمات مختلفة مثل «الإحراج»، «الارتباك»، «الخجل»، لكنه ذلك الشعور الذي ينتابك حينما لا يحدث موقفك بالشكل المطلوب، وستجد استجابة الناس لذلك الشعور متباينة، تتأثر بنشأتهم كأطفال، والطرق التي تعلموها للتحكم في مشاعرهم، حيث تعتمد طبيعة استجاباتنا بشكل قوي على درجة الثقة التي نشعر بها في جدارتنا الشخصية، فأولئك الذين نشأوا في مناخ بعيد كل البعد عن الوضع الأمثل يجدون صعوبة في أن يشعروا بإحساس طيب، وإلقاء نكتة غير مضحكة قد يسبب لهم إحراجا كبيرا مقارنة باستجابة عابرة غير مبالية لشخص آخر، وأيا تكن استجابتنا لهذا الشعور فنحن نتعامل يوميا مع عائلة واسعة الطيف من مشاعر الخزي، دون أن ندرك ذلك، ومن المتوقع مواجهة احتمالات متعددة من الخزي طوال فترات تواصلنا وتفاعلاتنا مع الأشخاص الآخرين، مما يجعل العديد في حالة استنفار دائم، فما الذي سيقوله الضيوف عن مظهري في الحفلة؟ وكيف سيعلق المدير على أدائي؟ هل سترفض فلانة دعوتي إذا كلمتها؟، هل ملابسي تفضح زيادة وزني؟، فالخزي هو القوة الخفية وراء الكثير مما يشغلنا في حياتنا اليومية، ويجد الكثير صعوبة في الإقرار بذلك حتى لأنفسنا، فالمصطلح بحد ذاته يسبب انزعاجا لمعظم الناس، ويشعر معظمهم بعدم الارتياح حيال إقرارهم بتلك المشاعر، ويفضلون إبقاءها بعيدا وإنكار وجودها، والتعامل معه كعدو خارجي متربص، وبالنسبة لهم فالاعتراف بالخوف أو الألم أو القلق أسهل من الاعتراف بمشاعر الخزي، لأن تفسيرهم لمفهوم الخزي يختلف عن فهم العلماء الذين يتعاملون معه كطيف واسع من ألوان المشاعر، تجعله يتنوع بين كونه مزعجا بعض الشيء أو عابرا، وإن مكابرة الاعتراف به كجزء حتمي من طبيعة الحياة سيتسبب في المزيد من الهشاشة النفسية، لأنه يشكل مصدر معلومات مهما لنا عمن نكون، والشخص الذي نود أن نصحبه، وإذا رفضنا أو قاومنا ستفوتنا فرصة نمو كبيرة، فهو لا يعتبر كهجوم عنيف من الخارج، بل إنذارات عاجلة من الكيان الداخلي بأن هناك خللا ما في مستوى تقبل الذات، حيث تتناسب درجة الخزي عكسيا مع تقدير الذات، وهما تجربتان مترابطتان على نحو وثيق تؤثران في بعضهما، فما الأمر الجلل في ارتكاب الأخطاء؟، فنحن بشر ولسنا ملائكة، والأفضل أن يترجم الموقف كضوء كاشف لمواطن جديدة بداخلك، بدلا من التعامل معه كتحدٍ خارجي مدمر بصورة كبيرة، لأن البعض يختبر الشعور بالخزي داخليا حتى مع تواجده بمفرده، ولذلك فألم الخزي يلفت الانتباه بصورة واضحة إلى طبيعة الصورة الذاتية، وكيف يبدو المرء لذاته وللآخرين، لذلك تتم الإشارة لعائلة مشاعر الخزي، والشعور بالذنب، والحرج، في علم النفس بمشاعر الوعي بالذات، ولا بد لمشوار تقدير الذات من المرور حتميا بمحطة الخزي، ولن يتمكن من مغادرتها بصورة مؤبدة، لكنها سيخفف من آثارها بتحويلها من هزيمة مؤلمة إلى فرصة تعلم كبيرة.
LamaAlghalayini@