لم يكن فقيد الإعلام السعودي الكبير، أستاذنا محمد الوعيل، الذي رحل عن دنيانا قبل يومين، مجرد صحافي أو رئيس تحرير.. لكنه كان «إنسانا» مفعماً بطيبة القلب والابتسامة التي لا تغادر محياه إلا نادراً جداً، نجح من خلالها أن يكون صديقاً للجميع في «التحرير» دون تفرقة بين جنسية أو لغة أو حتى عقيدة لدرجة يمكنني فيها القول ـ وأنا الذي تشرفت بالاقتراب منه طيلة 20 عاماً تقريباً ـ إنه كان مثالاً للتسامح في كل شيء ما عدا ثوابت الوطن السعودي الغالي علينا جميعا، وقواعد العمل الصحفي المهني.
صعب عليّ جداً أن أكتب كلمات رثاء فيه، وأنا الذي أزعم أنه ربطتني به علاقة مهنية مميزة، وقبلها ـ وبعدها ـ علاقة إنسانية على كل الأصعدة، لم تخل من المشاحنات والمجاذبات والمشادات والتوترات العملية، حتى بعد ترك كل منا لموقعه في (اليوم) الجميلة، ولكن هذا لا يمنعني من الإقرار بأن «أبا نايف» العاشق لـ«سعوديته» كان محفزاً لدرجة القلق، ومشجعاً للكوادر الوطنية الشابة ولا يقبل فيها أي نقاش وإن كان في نفس الوقت لا يغفر أي تهاون، قلبه الكبير يسع الجميع، ومع أنه كان يحرص على التواجد منذ السابعة صباحاً، لذا كان معتاداً أن يوزع وريقات تكليفاته بكل ما فيها من إشادة غالباً وتقريع أحيانا بشكل يجبر أيا كان على الوقوف احتراماً لهذا النموذج المهني الرائع.
لم تنقطع الاتصالات الهاتفية حتى بعد انتهاء علاقة العمل، بل اتخذت مساراً حميمياً بكل صدقه وإنسانيته، حيث كان حريصا في كل زيارة للقاهرة على لقائي واستدعاء كل ذكريات المناوشات، وحتى أسابيع قليلة مضت جاءني صوته مرهقاً للاطمئنان علي خلال أزمة عارضة.
آخر لقاءاتي به، كان قبل عام تقريباً في الرياض، حيث كنت ضيفاً على منتدى الإعلام السعودي الدولي.. حرص على استضافتي في الفندق الشهير «ريتز كارلتون» برفقة الصديق خالد العويجان، ويوم سفري حرص على وداعي بنفس روحه المرحة وطيبته وكرم أخلاقه، ولم أكن أدري أنه اللقاء الأخير.
أستاذنا الوعيل كان رئيس تحرير استثنائياً، لا يعيش في برج عاجي، بل كان يحرص على السير في ممرات وأقسام الجريدة موزعاً ابتسامة لا مثيل لها في الطيبة والنقاء مصطحبا هذا وذاك، ولا مانع من مقالب ضاحكة خاصة مع الزميلين العزيزين أحمد سماحة وإبراهيم رضوان ـ بمشاركتي طبعاً ـ ونجح في بناء مناخ رائع وأسري بين الجميع، اكتسب فيه المحبة والتقدير، وأزعم أن هذا كان سببا في نجاح الجريدة تحت قيادته بشكل لافت.
كان يستدعيني دائما لمكتبه، وما إن يبدأ بعبارته الشهيرة «نما إلى علمي» أدرك أن ثمة «زومبة» وقائية ـ بتعبير صديقنا فالح الصغير ـ هناك، فأبتسم متسائلاً: هل هذه وكالة أنباء جديدة اشتركنا فيها فيضحك بحثاً عن «مقلب» يتم تدبيره وما أكثر المقالب التي تحتاج مجلدات!
ترحل القامات جسداً ولا ترحل روحاً وذكرى.. وتبقى محفورة في وجدان الكثيرين. الله يرحمك يا أبا نايف، نم قرير العين، جزاك الله خيرا وأسكنك فسيح جناته.. عزائي لنفسي بفقد صديق وأخ ومعلم وإنسان، وعزائي لأسرته ومحبيه.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
محمد هجرس
أبو نايف.. لن ننساك يا صاحب القلب الكبير
مهما وصفت حجم الصدمة والألم والحزن الذي تمكن مني حين تلقيت نبأ وفاة الأستاذ القدير والصديق العزيز والأخ الغالي محمد الوعيل رحمة الله عليه، فلن أجد ما يمكن أن يصف حجم وقع تلك المشاعر، ولكن إيماننا بأن هذه دار فناء وأن كل من عليها راحلون وإننا جميعا لله وإنا إليه راجعون، فهذا اليقين وحده يجعلنا نجتاز كل صدمة وكل ألم، ولعل في ما يأتي من سطور أنوه عن قليل من كثير مما هو في ذاكرتي عن هذا الرجل النبيل، لقد زاملت أبا نايف لسنوات طوال حين كنت أعمل سكرتيرا لرئيس التحرير في صحيفة اليوم بالدمام، ولا يخفى على أحد حجم المسؤولية والأمانة التي تحيط بوظيفة مثل هذه مع مسؤول في مقام محمد الوعيل، والذي كان يسعدني باعتباري الشخص المؤتمن على الكثير من أسراره في حياته المهنية وأحيانا الشخصية، ولكن في كل الأحوال هي أسرار معروفة ولا يمكن إخفاؤها، فالمثل يقول إن نور الشمس لا يمكن أن يخفيه غطاء، فلم يكن في الحقيقة أسرار لدى محمد الوعيل، كان رجلا واضحا كالكتاب المفتوح، وكل ما كان يعتبره سرا كان يرتبط بمواقف إنسانية ترتبط بمساعدة محتاج أو منكوب أو حماية زملاء المهنة، فكثير من الأمور التي قد تأتي بعاقبة على الزملاء الصحفيين كان يتصدى لها بخلاف المواقف التي كانت تأتي بالتكريم والتقدير، كان يفسح المجال للزملاء أن يتقدموا ويتصدروا مشهد الثناء في مثال للقيادي الناجح والرجل الشامل المؤمن بأن النجاح يصنعه الفريق لا الفرد، وعلى الصعيد الشخصي لم أشعر يوما بأن الأستاذ القدير محمد الوعيل تعامل معي من موضع المسؤول، بل من موضع الزميل وكان يراعي أدق الجوانب في حياة الفرد ويكره أن يشاهد شخصا في مكتبه تبدو عليه ملامح الحزن، فتجده يبادر بسؤاله المعهود (فيك شي؟ محتاج شي؟)، كان يسمع وجهات النظر ويتقبل النقاشات بصدر رحب، أتذكر في كثير من الأحيان حين كنا نعمل في المكتب لساعات متأخرة كيف يحرص على طلب وجبة العشاء وتقاسمها مع فريق المكتب وكأننا أفراد أسرة واحدة، بل نحن كذلك، لم نكن في مكتب رئيس التحرير محمد الوعيل فريق عمل بل كنا أسرة مترابطة وما زلنا حتى بعد أن تغيرت الظروف المهنية وانتقل كل منا إلى موقع آخر، بقينا على تواصل وعلى ذلك العهد الجميل، وختاما لا أقول سوى: رحمك الله يا محمد الوعيل ورزقني وذريتك وذويك ومحبيك الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.
سيد أحمد عوض
كان قريبا من الجميع
لم أكد أصدق الخبر الذي تلقيته عن رحيل الأستاذ محمد الوعيل، وأخذت أتساءل هل فعلا توفي أبو نايف، راجعت نفسي للحظات ثم استذكرت أن هذه سنة الحياة وأن كل نفس ذائقة الموت، لا حول ولا قوة إلا بالله، لقد زاملت الأستاذ محمد الوعيل لسنوات طويلة حين كان رئيسا لتحرير صحيفة اليوم بالدمام، وكنت وقتها أعمل في الدار بوظيفة سائق خدمات ومتفرغ لمكتب رئيس التحرير، كانت ساعات يومي تبدأ حين يبدأ جدوله الحافل بالمناسبات والتي تستدعي تواجده في مواقع مختلفة وخلال أزمنة متقاربة، مما يجعل رحلة التنقل بين موقع لآخر تحديا زمنيا بحد ذاته، وكان يقول لي دائما أنا أثق في قيادتك، سق بسرعة ولكن انتبه من المخالفات والحوادث، فالسلامة أهم من أي شيء، ولعل البعد الإنساني الذي لمسته في محمد الوعيل كان ما يميزه عن الكثير من المسؤولين، فكان رغم أهمية منصبه إلا أن ذلك لم يزده إلا طيبة وتواضعا، أتذكر كيف لا يكترث كثيرا بنوع السيارة التي قد تتوافر بالمواصلات ذات اليوم، فالياباني صديق الألماني، وكذلك في الرحلات البرية الطويلة، فقد كان يذهب لمختلف مناطق المملكة ويفضل الذهاب برا في الغالب لكي يتجاوز مسألة حجوزات الطيران فجدوله يتغير كل دقيقة بل كل ثانية، كنت أستمتع خلال تلك الدروب بسماع حديثه عن حياته المهنية ومواقفه التي واجهته خلال سنوات عمله في مجال الإعلام، فلم يجعلني يوما أشعر أنني سائق، بل كان يعتبرني زميلا وشخصا قريبا، وإن كان هناك جانب أحب أن أنوه عنه فبلا شك هو الجانب الإنساني لذلك الرجل النبيل، فقد كنت شاهدا على مواقف محمد الوعيل الشهمة مع أصدقائه وزملائه، فما يكاد ينمو إلى علمه أن هناك من يحتاج المساعدة سواء كانت هذه المساعدة شفاعة معينة أو دعما ماديا، كان محمد الوعيل أول المبادرين، وله معي مواقف إنسانية كثيرة لن يتسع المجال هنا لذكرها، كل ما أستطيع قوله فقدت رجلا عزيزا على قلبي ولن أنساه أبدا، إنا لله وإنا إليه راجعون.
محمد علي