لا شك أن مهنة المحاماة مهنة سامية ونبيلة تُرجع الأمور إلى نصابها الإنساني وأصلها السوي المتمثل بالبراءة وسلامة الفطرة من ارتكاب الجرائم حتى يثبت بالدليل خلاف ذلك فتتم إدانة المتهم، لتبدأ بعدها مرحلة القيم الإنسانية والرحمات الإلهية والنفحات النبوية باحترام الإنسان حتى عند تنفيذ العقاب لضمان عدم هدر كرامته أو التجاوز في العقوبة، التي تهدف إلى تطهير المذنب وإصلاحه، والردع المجتمعي للمتهاونين في ارتكاب الجرائم، وليس الانتقام أو التشفي، وبذل كل الأسباب لتخفيف العقاب قدر المستطاع ومحاولة منح فرصة ثانية للرجوع والتوبة.
هذه المعايير والقيم الإنسانية النبيلة تم تشويهها وشيطنتها بادعاء أنها تخالف الشريعة الإسلامية في حين أنها تجسد أصلاً من أصول الشريعة الغرّاء، أفَلَم يمهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المرأة التي زنت والتمس لها العذر تلو العذر لعلها تنجو من عقوبة الحد، وقال عنها: لقد تابت توبةً لو قُسِّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسِعَتْهُم، وقد مرَّ على مسامعنا كذلك كيف راجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصحابي ماعز، الذي اعترف بارتكاب جريمة الزنا، وناشد رسول الله ليطهره من الذنب بإقامة الحد عليه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يراجعه؛ فتارة يسأل: هل هو مجنون؟ وأخرى يقول: هل هو مخمور؟، حتى تيقَّن من إصراره وتمام عقله فأقام عليه الحد، وعتب -صلى الله عليه وسلم- على رجلٍ اسمه هزَّال دفع ماعزًا إلى الاعتراف بجريمة الزنا قائلًا: (وَاللهِ! يَا هَزَّالُ لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا مِمَّا صَنَعْتَ بِهِ)، فهو القائل -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله كتب الإحسان على كل شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحة، ولْيُحِدَّ أحدُكم شفرته، ولْيُرِحْ ذبيحته)، فإذا كان ذبح البهيمة يتطلب السرعة والحسم للحيلولة دون تعذيبها وتجنب إطالة ألمها، فكيف الحال بتنفيذ العقاب على الإنسان المدان في حال القصاص أو الحبس؟!، بل أكثر من ذلك فلقد صلّى رسول الله على مَنْ أُقيم عليهم الحد طالباً لهم المغفرة والرحمة من الله، فواجب حفظ كرامة الإنسان وإن كان مداناً يستمر حتى يوارى الثرى.
إن الترافع والدفاع عن الجاني واجب مقدس تبنته القوانين والأعراف الدولية، ووزارة العدل بالمملكة العربية السعودية تندب محامياً على نفقة الدولة للترافع عن المتهمين في الجرائم الكبيرة. لذا؛ لا تشيطنوا مَنْ يدافع عن المتهمين ويطلب التخفيف عن المدانين ويدعو إلى احترام إنسانيتهم عند تنفيذ العقوبات؛ فهم يطبقون الشريعة الإسلامية السمحة وما تعارفت عليه قوانين الأمم المتمدنة، وبالمعمول به في المملكة العربية السعودية.
@falkhereiji