في وقت تمتلئ فيه مستشفيات العالم بالبشر المكتئبين القابعين في فراشهم، نرى البعض يناطح الأحداث مهما كبرت، فبعض الناس لا يسمحون للاكتئاب بالاقتراب منهم مهما بلغت مشاكلهم، ومهما تعرضوا للفقدان وكبرت مصائبهم، فما السر في شخصياتهم؟ ولماذا يكون البعض فريسة سهلة للاكتئاب، وتهزمه أي مشكلة وحتى لو تعليق يومي عابر؟، بينما يبقى البعض الآخر متماسكا، وحين تهزه العواصف برهة لا يلبث إلا أن يتماسك من جديد؟. إن ما يحدد ذلك هو إدراك الإنسان ومعتقداته عن الحياة وعن نفسه والآخرين، فعطب الإدراك هو عطب الإنسان كله، فمعظم المشاكل والاضطرابات النفسية يمكن إرجاعها إلى تشوه الإدراك والشعور بالعجز عن المواجهة، فنحن نكتئب حينما نعتقد بأننا عاجزون عن تحقيق طموحاتنا وأحلامنا، وأننا غير قادرين على أن نعمل لتغيير حياتنا للأفضل، بل نقف منها موقف المتفرج العاجز، تاركين وجوهنا عرضة لصفعات الأحداث دون أي محاولة للدفاع إلا الألم والشكوى، وهذا ما يطلق عليه في علم النفس الإيجابي مصطلح «العجز المكتسب»، حيث يعجز البعض عن إمكانية التدخل الناجح في تجنب ما يزعجه، مما يدعوهم لخفض نشاطهم للحياة، وعدم القيام بأي جهد إيجابي لتحسين معاشهم، وذلك لقناعاتهم الراسخة بأن أي استجابة أو جهد للمواجهة لن تكون ذات قيمة، استنادا لتجاربهم السابقة الفاشلة التي كبلت مشاعرهم ورسخت بداخلهم الاعتقاد بعجزهم، فلماذا يسقط هؤلاء في مصيدة العجز؟، وهذا ما يعتبره دكتور مارتن سليجمان رائد علم النفس الإيجابي، وصاحب مصطلح «العجز المكتسب» الشرط الرئيسي للاكتئاب، فحين يتعرض الشخص لتجارب سلبية أو أحداث داكنة يصل لقناعة راسخة بأنه لا يمتلك حظا جيدا للعيش، ولا جدوى من أي حل يمكن فعله، وأن النجاح هو شيء مستقل الحدوث ولن تفلح كل المحاولات في الاقتراب منه، وقد توصل العلماء إلى أن طبيعة حدوث هذا العجز ليست لمحدودية قدرات هذا الشخص، بل تنبع من فلسفته في ترجمة مواقفه الفاشلة، حيث يلجأ البعض لتفسيرات خانقة تشعره بأن ذاته عاجزة عن النهوض للدفاع عن نفسها، مما يسمح لدائرة الاكتئاب بالاتساع حوله، فمسألة الاستسلام تتفاوت من فرد لآخر بتدخل معايير أخرى، وقد وضح د. سليجمان أن هناك ثلاثة أخطاء تفسيرية للأحداث تؤدي بنا إلى العجز والإحباط وأولها هو وهم «الاستمرارية» فالشخص المتشائم يفسر الأحداث على أن وراءها أسبابا دائمة، وبأنها ستستمر لأطول مدة ممكنة، فلو واجه تعثرا في مشروع ما تجده يجزم بأنه سيفشل دوما في كل المحاولات التالية، أما السمة الثانيه فهي «الانتشار»، حيث ينظر الشخص إلى الحدث السيئ في مجال محدد على أنه سيعم ليشمل جميع مجالات حياته الباقية، فلو فشل مثلا في مادة الإنجليزي فقط، ستجده يكرر بأنه فاشل في كل المواد الدراسية، أما السمة الثالثة وهي الشخصنة فالشخص يحمل نفسه مسؤولية الحدث ووقوع الخطأ، وذلك بتوبيخ نفسه ولومها والشعور بالذنب، ولهذا فأهم شيء نفعله كي لا نقع في شراك اليأس والعجز المتعلم هو استخدام أسلوب مختلف في تفسير الأحداث سواء كانت إيجابية أم سلبية، والتوقف عن توبيخ النفس، واعتبار الحدث السيئ مؤقتا، ولا يحدث دائما، وأن مسألة تجاوزه هي مسألة وقت فقط، فمهما حصل فلا يمكنك نسيان قدرتك على الاختيار ثم الاستمرار، فهناك دائما طريقة للخروج، لأن النجاح يتطلب الثبات، والقدرة على رفض الاستسلام.
LamaAlghalayini@