البرنامج توثيقي بالدرجة الأولى، وفي رؤيته البصرية يرتكز على ناحيتين تشكلان رافدا متميزا في إظهار البرنامج بصورة أكثر تميزا وجذبا للمشاهد، فمن ناحية هو لا يعمل من داخل استديو مغلق كما نرى في الكثير من البرامج المصورة داخل الاستديوهات، بل هناك فريق رائع يذهب إلى كل منطقة من مناطق المملكة، التي تشكل كل مدينة منها تراثا عريقا لم يكتشف أو لم يسلط عليه الضوء لدى عموم المجتمع السعودي.
لذلك اختيار مواقع التصوير هو اختيار بالدرجة الأولى يرتبط بالمنبع، الذي انطلقت منه حكايات شعبية أو أسطورية ظلت تتداول على الألسن وبين الناس بوصفها جزءا من تراث منطقتهم.
أما الناحية الأخرى، فإنه يرافق هذا الاختيار حديث يتم التركيز فيه على تحليل التأثير المتبادل بين هذه القصص والحكايات والأساطير من جهة، وبين أبناء الأرض، التي أنجبت هذه الأساطير والحكايات. وهو ما يعطي البرنامج أكثر مصداقية وبعدا واقعيا وحسا دراميا، لا ينفك يفتح الباب واسعا على هكذا برامج في المستقبل.
لقد حظيتُ بالمشاركة في إحدى حلقاته، التي تتحدث عن أسطورتين تتعلقان بتراث الأحساء العريق هما القصة الملهمة للشخص الأسطوري خميس بن رمثان، والأخرى قصة جبل القارة وارتباطه بقصة انتحار يهوذا في إحدى مغاراته.
والشيء اللافت، الذي هزني من العمق أثناء التصوير، وأنا أتناول فيها بالحديث عن أسطورة هذا الرجل أو أساطير جبل القارة، أن المكان يمدك بطاقة لا تنفك تشعر معها وكأنك تتعرف عليه لأول مرة، بل كأنك تنظر إليه نظرتك الأولى بالارتياب ذاته، وبالبراءة ذاتها أيضا. فعندما تكون قريبا من المكان، الذي ألفته طوال حياتك مثل جبل القارة، فإنه يدخل ضمن نطاق العادة في حياتك، التي تفقد دهشتها وسحرها لديك.
جمال البرنامج يعيد الدهشة، ويعيد سحر بريقها ليس للمتحدثين في البرنامج فقط، وإنما الأهم عند المشاهد المتلقي لهذا السحر، الذي يعيد وصله بقيمة المكان وجمالياته، ويعرّفه بالشخصية السعودية في تنوعها التاريخي والثقافي والاجتماعي من خلال الأرض، التي هي الرابط الحقيقي بين أبناء الشعب الواحد. الأمر الذي يجعل مثل هذه البرامج ضرورة ملحة في المرحلة الراهنة من تطور البلد، لأنها لا تعرّف أبناء الوطن بوطنهم فقط، وإنما توجد الرابط الذي يشدهم إلى ذاكرة مشتركة يبنون عليها مصالحهم ومنافعهم والأهم علاقاتهم الاجتماعية.
إن وراء هذا التميز، الذي حظي به البرنامج ناس- لوجيا مجموعة من العاملين، الذين تشرفت بالتعرف عليهم، وعلى رأسهم بالطبع معد البرنامج وصاحب فكرته المتميزة الصديق الشاعر والروائي عبدالله ثابت، فهو بحسه الجمالي وشغفه بالمختلف في الثقافة والفكر قدم للتليفزيون شيئا مختلفا ومتميزا، وهو كما عرفته يصنع مادته باحترافية كبيرة وبإبداع أكبر، يقول الشيء وكأنه يتحقق، ويكتب بصمت وكأنه يتحقق من القول.
[email protected]