فالمسلم يجد في رمضان فرصة لالتقاء النفس والتصالح معها، هو باب ليس للدخول إلى الله فحسب، بل للرجوع إلى الله والوقوف أمام ما جنته الأيدي، فتتجلى فيه مراجعة النفس والإنابة والتوبة عما لحق بصحائف الأعمال من شوائب قد تسوق الإنسان للهلاك.
من جهة أخرى، يسعد المسلمون جدا بالشعائر الدينية التي تقام في أيام الشهر المبارك ولياليه التي من أهمها: تلاوة القرآن وختمه، والدعاء والتهجد وإقامة صلاة التراويح التي تشعر المسلمين بالقرب الحقيقي من خالقهم، فنجدهم يحرصون على إقامتها جماعة في صفوف متراصة تَعمُر المساجد؛ لما تحققه من شعور بالترابط والتآصر والفرحة التي تسعد القلوب، باستشعار فضائل الله - سبحانه وتعالى- وشكر النعم، وتَحسُس الأخُوّة الخالصة في الله، لكن الظروف القاهرة التي تتعلق بانتشار فيروس كورونا تعصف بالعالم الذي منه بلدنا الحبيب، ففي ظل الأوضاع الراهنة من تحول لفيروس كورونا المستجد، يبرز دور حكومتنا الرشيدة وحرصها على سلامة المواطنين وحمايتهم من التعرض للإصابة بالوباء؛ لذلك نراها تصدر الأوامر وتفرض العقوبات، وتحدد تعليمات وقائية واحترازية على المجتمع الالتزام بها واتباعها، فبقدر اشتياقنا للتجمع والقيام بالفرائض والسنن، بقدر ما نحن بحاجة لاستشعار المسئولية الملقاة على كل فرد فينا، وكما ورد في السنة النبوية عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ} (متفق عليه).
المجتمع مسئولية عظمى مقدمة على كافة المسؤوليات، لا يمكن القيام بها إلا بالالتزام الجماعي، فإما أن ننهض معا أو نسقط معا، ومن باب الإمساك عن المعاصي وكل ما من شأنه إغضاب الله - عز وجل- بحسب ما ورد في كتابه العزيز وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، يتعاظم واجبنا تجاه مجتمعنا ووطننا؛ بالامتناع عن إيذاء الآخرين عن طريق الالتزام بالتباعد، والحرص على عدم التساهل لأي اعتبار كان، كذلك التقيد بتعليمات حكومتنا المعطاءة في جميع ما يصدر عن القطاعات الحكومية كوزارة الصحة والأمانة وغيرها من الجهات الحكومية المعنية.
أعزائي، كي نعود كما كنا، يجب على الجميع التحلي بالصبر ورفع شعار «كلنا وعي»، نحن بحاجة ماسة للتنازل عن مغريات كثيرة في الوقت الراهن، من شأنها أن تسهم في إدخال البهجة والفرح على نفوسنا، علينا الإيمان أولا بأن ما يمر به العالم ما هو إلا ابتلاء وامتحان من رب العالمين؛ لذلك وجب علينا أن نكون على درجة كبيرة من الوعي، الوعي بمدى خطورة المرحلة التي تعصف بنا، وخطورة وألم الفقد الذي من الممكن أن نتعرض له، واستشعار الأمانة التي وهبنا إياها الله التي تتمثل بأرواحنا، وأرواح آبائنا وأبنائنا ومجتمعنا الذي يؤثر فينا ونتأثر به.
شهر رمضان شهر الخير والبركة والإحسان، فأحسنوا إلى الله بالإخلاص في النية والعمل، وزينوا موائدكم بمتعة الصحة والعافية والبهجة برعاية وحفظ جميع من نكن لهم مودة ورحمة، سالمين معافين من كل سوء، ولنكن على قناعة بأن شهر رمضان شهر التزام ووعي.
@H_Ghum