ولا نأتي بأمر مستحدث إن أشرنا إلى أن تصويب الخطأ وممارسة الفضيلة واجب ديني وإنساني وأخلاقي ووطني وليس نوعا من الاستشراف وفق المفهوم الشوارعي.
فالبشر يخطئون ثم يتوبون وبهذا كرمنا الله أن منحنا قرار ارتكاب المعصية واختيار طريق التوبة والتطهر من المعاصي، وحرم علينا المجاهرة بها لتبقى القدوة قائمة في المجتمع، ولتظل فرصة الرجوع والتوبة سهلة لا ترصدها إلا عين الله ورحماته، ولا تثقلها أعين الناس وتسلطهم ونقدهم، وحتى لا تشيع الرذائل ويصيبنا العجز في نقدها والمطالبة بمعالجتها، بخلاف منطق هؤلاء المتطرفين الذين يطلبون منا أن نكون إما ملائكة أو شياطين لننجو من تهمة النفاق والاستشراف التي يطلقونها للتخلص من الفضيلة التي تزعجهم وتزعج تيارهم المتجرد من الفضائل، رافضين الحالة الإنسانية التي جبل الناس عليها في خطأ تتبعه توبة وتطهر من ذلك الخطأ.
ومن مناهج أتباع تلك التيارات أيضا أنهم يقارنون علماء الشريعة الإسلامية بعلماء الفيزياء والكيمياء من مخترعي العلاجات واللقاحات ثم يختمون مقارنتهم بسؤال: ماذا قدم العلماء المسلمون للإنسانية؟!، مع أن المقارنة بين مختلفين جهل، فلماذا لا يقارنون عالم الشريعة المسلم المتواضع الزاهد برجال الدين في الأديان المناظرة من ذوي الثياب الحريرية المذهبة، والصولجانات الذهبية، والتيجان المرصعة بالمجوهرات، ساكني القصور ذات الجدران والقباب الفخمة لتستقيم المقارنة.
لذا يجب أن نكون واعين ولا نسمح للتيارات المنحلة أن تتحكم بنا وبتوجهاتنا وبعقولنا أو أن تقتادنا إلى ساحة الرذيلة كخيار حتمي لا مناص منه عبر إطلاق عبارات ومقارنات مضللة غير علمية.
إن صمت المفكرين والمثقفين مكن تلك التيارات المتطرفة من إرباك إنسانيتنا بأدبياتها التي تشوه الفضيلة والحياء بزخرف القول، وتصد عن ذكر الله وإظهار الفضيلة وتغييب القدوة عن المشهد، وتصديا لهذا التشويه أقول أنا بشر ويجب أن أستشرف وبكل قوة للمحافظة على نقائي وتجديد إنسانيتي، وأقول ما قاله الشاعر العباسي أبو تمام:
يعيش المرء ما استحيى بخير * ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش خير * ولا الدنيا إذا ذهب الحياء.
@falkhereiji