تخيلت أني مومياء ملكة ادعى «غنسيس» لم تفصح هلوستي عن رقم الملكة هل هي غنسيس الأولى أم الثانية، وأنني في مركبة فارهة رحبة أرقد على فراش وثير وحولي حاشية تخشى عليّ من تكسر أضلاعي الغالية! فقد حملوني بكل حذر ووضعوني بكل سعادة في عربة الملوك وكأني أرى تلك الحاشية من حولي وهم يبجلوني رغم أني مومياء مخيفة.
أفقتُ من ذلك الشعور الجميل لأفاجأ أني كائن حي يتنفس! لا أجد مساحة كافية لأمد قدمي!
الحياة جميلة عندما تجد مَنْ يشعر بوجودك ويقدرك لا أن يرثيك بعد وفاتك.. الحاصل للأسف أن العظماء زادت عظمتهم عندما رحلوا، بل لم تبن عظمتهم في حياتهم مطلقاً! ففقد المبدعين سريع! فهم يرحلون قبل سواهم لأن صناعتهم تحيلهم كائنات هشة غير متجلدة!.
فالشاعر الفذ يطرق الأبواب ليقول شعره فيجدها موصدة، فإذا ما رحل رثوه وتداولوا شعره، وأطلقوا عليه جميل الأوصاف، والكاتب البارع ينبشون أوراقه فيجدون إبداع كلماته فيرثون حالهم كيف لم تستوقفهم حروفه، والرسام الهائم بألوانه عندما يموت ستتحدث ريشته لتلوم تجاهلهم، والوالدان وهما أحياء يقدمان صنوف التضحيات وتحرقهما تضحياتهما، فإذا ما رحلا سكب الأبناء دموع الندم كيف أشغلتنا الدنيا عنهما فلم ننتبه لعطائهما وننير طريقهما، والزوجان عندما يفقد أحدهما صاحبه سيدرك أن حياته بلا نصفه الآخر قاتمة مظلمة وقديما قيل «مَنْ لا يعرف قيمتك وأنت بين يديه سيندم على خسارتك عندما لا يراك أمامه».
لذلك أيها الناس لن يسعد أحبابكم أن تجعلوهم مومياء مقدّسين، ولن يستلذوا قداستهم بعد رحيلهم، ولن تنفعهم سلسلة تغريداتكم المزينة بصورهم! هم يريدونكم وهم أحياء، فلنمنح الحب والتقدير ولنتيح لهم مجالات الإبداع ولنفتح لهم أبوابها، فكذبة أبريل ستتسع رقعتها إذا بجلنا ذكراهم وتجاهلنا حياتهم بيننا.
@ghannia