والمؤكد أن التخصيص تجربة عالمية عرفته الدول المتقدمة قبل الدول النامية والفقيرة لما له من نتائج إيجابية على الإنتاجية وجودة النتائج والفائدة النهائية للاقتصاد للدول، التي تحولت مؤسساتها إلى القطاع الخاص، الذي يعتبر أكثر كفاءة في إدارة وتشغيل هذه الشركات الربحية. وتتزايد الحاجة لتخصيص المؤسسات الحكومية كلما زادت الضغوط على الدول من قبل المنظمات والهيئات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وبعض الهيئات الإنمائية التابعة للأمم المتحدة. والحقيقة أن الكثير من الدول، التي توجهت إلى تخصيص مؤسساتها كان نتيجة الضغوط عليها وليس رغبة ذاتية لتحسين أداء اقتصادها، لهذا نجد الكثير من الدول النامية تتأخر في التخصيص بشكل ملحوظ بالرغم من تواؤم الظروف للتخصيص.
وتشير الدراسات في بعض الدول المتقدمة إلى أن برامج التخصيص بدأت تحقق الأهداف، التي وجهت من أجلها، فالزيادة في إجمالي الناتج القومي لهذه الدول مشجعة بشكل ملموس عن السابق عندما كانت هذه المؤسسات تحت ملكية وإدارة الحكومة، بل إن دور القطاع الحكومي أصبح أكثر فعالية وإنتاجية عن السابق لتركيزه على النشاطات المناسبة للحكومة مثل التركيز على الأمن والصحة والتعليم العام.
ستستفيد الحكومة من بيع مؤسساتها للقطاع الخاص لتغطية العجز في ميزانيتها مع التزامها بدعم الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم العام والأمن والدفاع ووضع القوانين الاحترازية لحماية الأمن الاقتصادي من المنافسة غير العادلة والاحتكار، الذي لا يدعم الاقتصاد من حيث الجودة والتطوير ورخص الأسعار للمواطنين، ولنجاح تخصيص القطاع الصحي، فإنه يتطلب من الحكومة التأمين الصحي الشامل لكل مواطن ووضع الضوابط، التي تحميه من استبداد شركات التأمين. أما تخصيص التعليم، فإنه يتطلب توافر مؤسسات تعليمية توفر التعليم المجاني، للذين لا يستطيعون تمويل تعليمهم، كما يتطلب وضع الضوابط، التي تحمي المستفيدين من التعليم الخاص من غير استغلال أو إرهاق لميزانية الأسرة.
ويعتمد نجاح تخصيص مؤسسات القطاع الحكومي للقطاع الخاص بدرجة كبيرة على عدة عوامل أهمها ما يلي: (1) درجة كافية من الشفافية، (2) كفاءة الهيئة الإدارية الحالية والمستقبلية، (3) الملاءمة بين الهيكل التنظيمي الحالي والهيكل التنظيمي المستقبلي للمؤسسات، التي تتجه للتخصيص، (4) توقيت وجدولة إعادة الهيكلة للمؤسسة قبل تخصيصها، (5) صراحة ومصداقية المعلومات المالية والإدارية، (6) التكاليف الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة للتخصيص، (7) مراعاة التكاليف الإنتاجية الكبيرة بعد التخصيص.
يعد تخصيص المؤسسات الحكومية في المملكة تجربة جديدة، حيث كانت أولى هذه التجارب الهاتف السعودي، الذي تحول إلى شركة مساهمة تعرف اليوم بشركة الاتصالات السعودية. وقد تحقق لهذه التجربة النجاح عندما حولت الحكومة نسبة من أسهم الهاتف السعودي وباعته للقطاع الخاص ليصبح اليوم إحدى الشركات العملاقة في حقل الاتصالات بالمملكة من حيث المساهمة في إجمالي الناتج الوطني وتوظيف 17 ألف موظف.
@dr_abdulwahhab