تستنفر ربة البيت كل قواها العقلية والجسدية لتعد مائدة طعام مميزة لعائلتها في رمضان حتى ربات البيوت، اللاتي لا تربطهن علاقة وثيقة بالمطبخ يجدن أنفسهن منقادات حباً وكرامة للمطبخ! فوسائل التواصل ومشاهير السناب والدعاية والإعلان والأسواق كلها عوامل تحفيز ودعوة مبطنة لربات البيوت ليشمرن عن ساعد الجد والمثابرة.
وتبدأ ربة البيت رحلتها المطبخية ابتداءً بالتفكير بقائمة متغيرة يومياً ثم الإعداد والتجهيز، الذي لا يخلو من كفاح مسلح! مع سعي حثيث وتعاون من «مناديب التوصيل» لتغطية النقص في مقادير الأصناف المختارة وحين تحين ساعة الصفر تزداد وتيرة العمل وتتعالى أصوات الدواليب والأواني وكأن حرباً ضروساً تلوح في الأفق ثم وبعد أن تضع ربة البيت آخر طبق وتلقي بجسدها المنهك على مائدتها الوثيرة ويبدأ الوفود بالقدوم من غرفهم في استراحة محارب قد أوقفوا كل أعمالهم، فمنهم مَنْ استأذن من رفاق «الببجي»، وآخرون أعطوا «للفورت نايت» فسحة قصيرة، وآخرون استيقظوا للتو من نومهم ثم بدأوا في التهام الطعام دون كلام حتى إذا ما استجمعوا قواهم عادوا للأطباق، التي كانت ممتلئة ونظر بعضهم إلى بعض وكأنهم نقّاد الأدب تجمعوا على قصيدة شعرية، فبدأوا في النقد والتجريح مع اقتراحات توجّب عليهم طرحها لسفرة اليوم التالي يأتي بعد ذلك هروب جماعي غير أن واحدا من الوفود نظر نظرة إشفاق لذلك الكائن وعاد ليقول «شكراً أمي».
إن البرنامج اليومي لربة البيت في رمضان يحتم عليها قضاء وقت طويل في المطبخ يحرمها لذة استشعار جمال هذا الشهر وروحانيته، فهي لا تكاد تجد وقتا كافيا لقراءة القرآن أو قوة لصلاة التراويح أو نفسية جميلة تقضي بها يومها، فتحقيق طلبات جميع أفراد أسرتها مرهق بالفعل، خاصة أن شهية الجميع تزداد انفتاحاً فيما تحاول ربة البيت تحقيق رغبات الجميع، وإذا ما كان ضمن الأسرة حالات خاصة كمرضى السكر أو الضغط أو الكولسترول، فإن القدور تزداد والتصنيفات تتعدد ونظرات النقد واللوم والتجريح والغضب و«الزعل» تزداد وتيرته، فكل في فلكه يسبح، وكلٌ يرى أنه الأولى بالرعاية.
لذلك ومع كم الاهتمام، الذي تبديه ربة البيت إلا أن شهر رمضان، الذي يعتبر شهر الأخلاق والتسامح يكون في منازل البعض شهر «التشنج» واختلاق «المشاكل» فلا تفيد معه الفوانيس المعلقة، والأهلة المضيئة والديكورات، التي أحالت المنازل إلى متاحف ملونة! وحين لا تلين في رمضان القلوب القاسية وتقودها نحو الحب والتسامح والرضا فمتى تلين؟
ومن جميل ما قيل عن رمضان:
يا باغي الخير هذا شهر مكرمة
أقبل بصدق جزاك الله إحسانا
أقبل بجود ولا تبخل بنافلة
واجعل جبينك بالسجدات عنوانا
لا تجرح الصوم بالألفاظ نسيانا
بئس الخلائق إن لن تلق غفرانا
@ghannia