من المعلوم أننا في عصر جديد من الاعتماد على التسوق الإلكتروني وقد كنا بالأمس القريب وقبل جائحة كورونا نشتري حاجياتنا مباشرة من الأسواق. وكانت الظاهرة هي إنشاء الأسواق المغلقة، التي أصبحت كما المتنزه للأسر. فهناك محلات البيع المختلفة من ملابس وحاجيات وإكسسوارات، وهناك أيضا السوبرماركت ومحلات الأثاث وألعاب الأطفال والمطاعم المختلفة كلها موجودة ببيئة مكيفة بعيدة عن حرارة الجو الخارجية. وكانت القلة حينها كنسبة عامة تتعامل مع الأسواق الإلكترونية أو تحاول اكتشاف ما هو موجود، فتطلب هذا أو ذاك مما لا تجده بالأسواق المحلية أو بواقع التجربة. وكان حينها غالب المتسوقين لا يثقون بالتبضع عن طريق الأسواق الإلكترونية إما لاعتقادهم بأنها رديئة أو من أنها محاولات نصب، فيطلب للتأكد الدفع عند الاستلام. إلا أننا في زمن تغيرت معالمه بعد الحظر، الذي جاء بأسباب الجائحة، التي بدورها أثرت على سلوكيات الناس بوجه عام وأقحمتهم بالتعامل الإلكتروني للتبضع وشراء الحاجيات المختلفة. فالحظر العام هو ظاهرة مجتمعية جديدة أثرت بوجه عام ومباشر على نمط حياة الأفراد والأسر ولها آثار اجتماعية سلوكية وتوابع طويلة المدى.
ومن الظواهر أثناء فترة الحظر اعتياد الناس على طلب الأكل من خلال التطبيقات المختلفة للمطاعم والتوصيل للمنزل. وكان المستفيد الأكبر ربما شركة واحدة استحوذت على حصة كبيرة بالسوق بسبب شراء منافسيها قبل فترة الحظر مما سبب من تركيز عالٍ يكاد أن يكون احتكاريا. ورغم إغلاق عدد كبير من المطاعم وتأثرها أثناء فترة الحظر لأسباب إجرائية تعددت أسبابها إلا أن كان وجود شركة واحدة بالأسواق ذات انتشار كبير لدى المستهلكين بأسباب تلك الاستحواذات أثر سلبا على القطاع. فاستغلالا للظروف زادت هذه الشركة من رسومها للخدمة على حساب أصحاب المطاعم سواء بالقيمة أو بالتوصيل مما أضاف من معاناتهم، لا سيما أنها تفرض استقبال الطلبات في نطاق جغرافي ضيق. ومن ممارساتها أنها لم تسلم أجهزة جديدة لاستقبال الطلبات من آلاف المطاعم، فجاء موضوع الحظر أشبه بالكارثة لهذا القطاع. فكانت هذه الشركة هي المستفيد الأول من الحظر وهو بغرار المفهوم السائد لدى أغلب الناس بالاستفادة الجماعية للقطاع، والأمر على العكس تماما. فلا غرابة أن شاهدنا عددا لا بأس به من المطاعم يستمر بإغلاقه وحتى بعد فترة الحظر ولم يستطع المقاومة والصمود على إثر عدم تمكنه من عمليات أخذ الطلبات بتغير نمط الشراء والتوصيل الخارجي لتغطية المصاريف المستمرة أثناء فترة الحظر. ولعل أن يدرس يوما ما بالجامعات هذه الظاهرة كمثال للتركيز العالي للمنشآت أو من تطبيق إجراءات أكثر صرامة على الاستحواذات الإلكترونية، خاصة الكبيرة منها لأن أضرارها على الاقتصاد العام على الدوام وخيمة.
أما عن المتاجر الإلكترونية الكبيرة فقد استفادت جدا تلك هي الأخرى من فترة الحظر، إلا أن المشاهد ذاتها تكررت من تركيز عالٍ للقطاع لقلة أعداد المتاجر الإلكترونية ذات الأغراض المتعددة وهي أربعة على ما أحصيناها تخدم السوق المحلي إلا أن كلها غير سعودية المنشأ أحدها فقط لديه مستودعات بمدن مختلفة. وربما تكون مصادفة أن أحد تلك المواقع الشهيرة عالميا اشترى الشركة السعودية الوحيدة قبل فترة الحظر وسرح مَنْ كان يعمل بها وأغلق قنوات التواصل مع العملاء والتجار المحليين من خلالها إلا أن ما يدهش أن هذه الشركات القليلة ترفض تصدير المنتجات السعودية، كما أن البعض منها يرفض حتى من تسجيل الأفراد للبيع وحتى للسوق المحلي مخالفين ذات الضوابط والشروط في أوطانها مما هو من تناقض عجيب.
وفي النهاية، لا بد علينا من التنبه من ظاهرة التركيز العالي بالأسواق الإلكترونية لعدد قليل من الشركات رغم كثرة الصغير منها من ذوات المنتجات المتخصصة، وحتى لا تصبح الظاهرة احتكارا ضارا بالاقتصاد. كما أيضا نتنبه من ظاهرة عزوف تلك الشركات الإلكترونية، التي لها حصة كبيرة في سوقنا على استقبال المنتجات الوطنية وعرضها للبيع الخارجي سواء بمواقعهم الأخرى من بضائع دول العالم، فالمعاملة بالمثل هي الأصل.
@SaudAlgosaibi