من التطورات الحديثة في بيئة، وبنية، وبُنية السياسة الدولية المعاصرة تشابك القضايا السياسية التقليدية مع قضايا إنسانية، وبيئية جديدة. أصبحت تحتل مساحة لا يستهان بها على طاولة صناعة القرارات الدولية. حتى أن هيئة الأمم المتحدة في العقود المتأخرة بدأت تؤسس لعقد قمم تتعلق بالبيئة والمناخ، والحفاظ على كوكب الأرض من بعض التغيرات الضارة الناتجة عن بعض المظاهر المبالغ فيها في تسخير الموارد الطبيعية ونموها، في خدمة الصناعة ربما الجائرة، أو التي تخلف آثارا سلبية على البيئة والمناخ وتعود بالضرر على كوكب الأرض هذا البيت الكبير الذي يتشاركه الناس في مختلف البلدان، ومن مختلف الثقافات، والمشارب، والأعراق.
وكان من الملاحظات التي انتشرت من وقت مبكر في السياسة الدولية المعاصرة في بعض الدول المتقدمة بروز أحزاب تعنى إلى جانب السعي للوصول للسلطة كهدف تقليدي للأحزاب السياسية، فلديها أهداف جديدة نوعا ما تتعلق بالتوعية بأهمية البيئة، والمناخ، وضرورة الحفاظ عليهما من أجل حياة أفضل للأجيال القادمة، ومن أجل رخاء البشرية جمعا. إذًا يمكن القول وبصورة واضحة أن عنصر البيئة والتوعية بها أصبح هما سياسيا، يجد له مساحة في أجندات الدول، والزعامات الدولية، وكذا الأمر في أروقة الأمم المتحدة وما تقوم به من أعمال أصبحت ضرورة بشرية للحفاظ على البيئة واستدامتها. ولعل الفهم المتأتي من هذه الثقافة السياسية الجديدة يضع تصورا مهما أمام المنظومة الدولية في مفاهيم محددة وواضحة من أبرزها: الوعي بضرورة أن العمل على حماية البيئة وتطوير إمكاناتها الذاتية عبر العمل السياسي لن يعرف النجاح ما لم يك ذلك عملاً ناتجاً من تضافر المنظومة الدولية فكل الدول شريكة بطريقة أو بأخرى في إنجاح المشاريع الطموحة التي بدأت تظهر على السطح كمسارات موازية للأعمال السياسية الدولية، ولكنها في المقام الأول تصب في خدمة الحفاظ على البيئة، وتنميتها وتطوير قدرتها على مد البشر بطاقات طبيعية أكبر لتساهم في ردم ما يمكن أن يسمى بالهوة الصناعية التي خلقت فجوة بيئية على مدار العقود الماضية، عندما كانت الدول مشغولة بأجنداتها التنموية الخاصة بمفاهيم الإنتاج، وتعظيمه على حساب المعطيات الطبيعية، وربما تدميرها في بعض الأحيان.
ولعله من المفيد الإشارة اليوم إلى أن المنظومة الدولية أصبحت تفاخر كل دولة فيها بالإنجازات التي حققتها في مجال حماية البيئة الطبيعية وتنميتها، بل أصبح ذلك أحد المؤشرات الدولية الإيجابية للدول وهي تخطط لسياساتها العامة. وفي المملكة العربية السعودية يمكن للملاحظ أن يلمس بصورة مباشرة قيمة الوعي في القرار السياسي الوطني السعودي في مسارين، الأول: مسار التخطيط لبنية القرارات السياسية، والثاني: انتقاء مسارات القرارات وتركيزها نحو الأهداف البيئية والتنموية الطبيعية. والسير بخطى مرسومة بحرص في مواكبة الرؤى العالمية التي تعظم من شأن حماية البيئة والحفاظ على استدامتها. ولا ينسى المجتمع الدولي العام الذي ترأست في المملكة العربية السعودية قمة العشرين، والذي تضمن بشكل خاص إعلانا كاملا حول البيئة وضرورة الحفاظ عليها، ويؤكد مراقبون أن هذه الجزئية في المسار السياسي السعودي الدولي كانت محل تقدير وتثمين دول، وجهات دولية كثيرة. حيث تضمن تلك الدورة مبادرتين سعوديتين خالصتين اتجهت إحداها لدعوة المنظومة الدولية للحد من تدهور الأراضي الطبيعية، واتجهت الأخرى إلى التأكيد على حماية الشعب المرجانية كثروات طبيعية يجب المحافظة عليها. وسجل المملكة العربية السعودية في توجهها البيئي وكدولة نامية حققت خلال أعوام معدودة قفزات في هذا الميدان، ويكفي الإشارة إلى أنه خلال أربعة أعوام قفزت نسبة المحميات الطبيعية الوطنية من 4 % إلى 14 % وهذه قفزة تنموية في هذا الإطار أثارت إعجاب الكثيرين، المشروع الأبرز الذي تقدمه المملكة العربية السعودية اليوم للعالم في هذا الميدان والذي ينطلق من الرؤية الوطنية السعودية هو جمع العالم في منتدى السعودية الخضراء 2021م، وقمة الشرق الأوسط الأخضر. السعودية دولة ونظام، ومجتمع تعيش بروح العصر وتبهر الآخرين دائما بخطواتها الطموحة نحو التنمية والتطوير، والاستقرار.
salemalyami @