في واقع الأمر وعلى الرغم من تقريب وسائل التكنولوجيا الحديثة للمسافات بين البشر، إلا أنها باعدت كثيرا في صدق المشاعر فيما بينهم، وساهمت بشكل كبير في تسطيح العلاقات بين الناس إلا من رحم ربي. فقديما كان تبادل الزيارات للتهنئة بشهر رمضان يتم بين الأهل والأصدقاء والجيران وأبناء الحي الواحد. فكانت مشاعر الناس أكثر دفئا والقلوب أكثر قربا. لكن اليوم تأتيك الرسالة بصيغة تهنئة على تطبيق (واتساب) من جارك الذي يفصل بينك وبينه بضعة أمتار فقط.
ومع مرور الوقت ومع تحول المعايدات والتهاني من نشاط اجتماعي يحث على صلة الأرحام ويذكرنا بإقامة جسور الترابط والمودة مع الآخرين، بات الوضع أشبه بعمل الروبوتات. حتى أن البعض باتوا يعدون قوائم مجدولة مسبقا لمن سيرسل لهم التهاني. ورسائل أخرى تعتمد على خاصية القص واللصق ليتم إرسالها تلقائيا وبأقل مجهود ممكن وبعضهم لا يكلف نفسه بتغيير اسم المرسل بتحويله للرسالة دون تعديلها. وتأتي الردود في الغالب على هيئة ردود معدة مسبقا أيضا. وكأن الأمر تحول لعادة بات القيام بها بأقل تكلفة ومجهود، اختفت معها مشاعر الدفء المصاحبة للتهاني وأصبحت حروفا بلا أصوات وعبارات بلا مشاعر.
لم تخرب وسائل التواصل الحديثة تهاني رمضان والمناسبات الأخرى فحسب، بل أيضا نفسية الجيل الجديد. الجيل الذي تعود على المراسلة عوضا عن تبادل الأحاديث وجها لوجه. أصبح أسيرا لتلك الأجهزة الذكية التي قد تنسيهم أحيانا أهمية وجمال الزيارات العائلية التقليدية.
وهناك العديد من الأطفال اليوم الذين لا يعرفون قيمة تبادل التهاني فهم يرونها سلوكا قديما يستهلك الكثير من الوقت مقارنة بالرسائل الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى ذكر عيوب تطبيقات التواصل في الأسطر السابقة إلا أن لها بالتأكيد العديد من المميزات أيضا. فهي باتت اليوم أي وسائل التواصل الاجتماعي ذات قدرة كبيرة على اختصار الوقت والجهد للتواصل مع من هم قريبون إلى القلب وأبعدتهم المسافات، من الأشخاص الذين يصعب علينا مقابلتهم لظروف ومتغيرات الحياة.
التهنئة الإلكترونية لا تعتبر كافية ولكنها قد تكون فعالة جدا. فرسالة كهذه تعبر عن الود والمحبة بين الطرفين بشكل جديد.
@Abdul_85