لست من هواة وسائل التواصل الاجتماعيّ، وعادة ما أكون العضو الخامل، الذي لا يرجى منه شيء، ولكنني أحب أن أبقى على تواصل مع صديقاتي عبر الوسائل، التي فرضت علينا في ظل الانفتاح والعولمة والتكنولوجيا، فقد أصبحت العلاقات تدار من خلالها، وأصبحنا نلقي التحية الصباحية والمسائية ونتلقاهما من خلال رسالة واتساب أو صورة في السناب شات، أو الانستجرام، وأصبحت أعرف أحوال صديقاتي وأقاربي، وتفاصيل يومهم من خلال هذه التطبيقات، وما يثير العجب!! هو الانفصام والتناقض بين ما تراه من رسائل الآخرين، وبين ما يقولونه عن أنفسهم، وقد اكتشفت ذلك عندما كنت أتابع ما ترسله صديقة لي عبر السناب، حيث وجدت كل رسائلها عن الخيانة والألم النابع من خديعة مَنْ تحب، وغدر الرجال وجفائهم، فقلت في نفسي: عسى أن تكون أمورها مع زوجها على خير ما يرام، فقد عشت معها قصة حبها لابن خالتها، وكيف تم زواجهما مع وجود كثير من العقبات، فكيف تحول هذا الحب والعشرة الطويلة بينهما إلى جفاء وخيانة!!؟ وعلى الفور قطعت أفكاري واتصلت بها لأطمئن عليها، ولأسكت حيرتي وقلقي، وقد بدا صوتها من الوهلة الأولى مبتهجًا وفرحًا بالاتصال، قالت لي: مرحبا غاليتي ما سر هذا الاتصال الجميل، فقلت لها: اشتقت لكِ وأردت سماع صوتكِ، فنحن معًا كل يوم عبر السناب والواتساب ومع ذلك أشعر بأنني أفتقد الحديث معكِ والسؤال عن أحوالكِ، فقالت: آه صحيح أننا معًا، ولكننا فعليًّا لم نتحدث منذ فترة طويلة، وبعد مقدمات السؤال عن الأهل والعمل وغيره، بادرتها بالسؤال: كيف حال أبو العيال، قالت بخير والحمد لله، وهنا قلت لها: بصراحة لاحظت أنكِ ترسلين رسائل عن الخيانة والألم فقلقت عليكِ وعلى حياتكِ الزوجيّة، فضحكت وقالت: الجميع يسألني عن حالي وعن زواجي لأنهم يتابعون ما أرسله، وأجيبهم دائما: إنني أرسل ما يعجبني من العبارات والكلمات والصور والفيديوهات، وليست بالضرورة متصلة بحياتي أو بمشكلة أعاني منها، فلا تقلقي أنا بخير، وعادت للضحك مرة أخرى، أغلقت الهاتف وما زلت أفكر فيما قالته لي، وهنا تساءلت عمّا صنعته بنا وسائل التواصل الاجتماعي، هل فعلا: أصبحنا نرسل كل ما يعجبنا بغض النظر عمّا نشعر به، وبدأت أقيس على نفسي، ووجدت أنني لا يمكن أن أرسل رسالة فيها كلمات أسى وحزن وأنا سعيدة ومبتهجة، ولا يمكن أن أرسل صورا تعبر عن الخيانة وأنا لا أشعر بها، ولكنّ هذا لا ينطبق على الجميع، فقد اكتشفت أن بعض الناس يعرضون في وسائل التواصل صورًا وعبارات لا تمثلهم، وهناك مَنْ يستعرض حياته ليظهر للآخرين صورة تخالف واقعه، فهل خلقت منا وسائل التواصل مجتمعات مريضة، يقولون ما لا يفعلون!، ويظهرون غير ما يبطنون!، ويرسلون عكس ما يشعرون!، ويغردون بما لا يعتقدون!، وشعرت بالفزع من هذا العصر، وقلت في نفسي: ما حال أبنائنا وبناتنا، الذين تركناهم لساعات أمام شاشات التليفون يتنّقلون بين هذه التطبيقات، يتشربون ثقافتها ومبادئها وقيمها، ترى هل هم مَنْ نعرفهم حقًا؟! أم أنهم شخوص أخرى غريبة عنّا لا يمكننا أن نتصور ما تحمله من أخلاق ومبادئ؟ هل لهم صور أخرى يظهرونها ويعيشونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟! وعند هذا الحد انقبض قلبي وتوقفت عن التفكير؟ ولم أرغب أبدًا أن أعرف إجابة أسئلتي، فأحيانًا يكون الجهل نعمة! فهل اخترت هذه المقولة الآن لأريح ضميري؟! وأهرب من مسؤوليتي؟! سؤال لا أريد أن أجد له إجابة.
[email protected]