يعتبر القطاع الثالث غير الربحي أحد أهم القطاعات الثلاثة في المملكة، وهو كذلك في معظم دول العالم التي تدرك دور هذا القطاع في الاستقرار الاجتماعي للمجتمعات من خلال دوره في تخفيف وطأة مشكلات الفقر والبطالة وما يترتب على هذه المشاكل من تبعات على الفئات التي تتحمل أعباء هذه المشاكل وآثارها، وهذا القطاع أيّاً كانت مسمياته في كل دولة سواء كانت غير الحكومي أو غير الربحي أو الخيري أو التطوعي، أو غير ذلك من الأسماء تدل على الأنشطة الفردية والمؤسسية خارج نطاق القطاعين العام والخاص والتي توجهها الجهات التي تقوم بها للنفع العام وخدمة المجتمع، ويحتل القطاع الخيري في المملكة موقعاً هاماً لاعتماده على ثقافة المجتمع التي تعتبر هذه الأعمال واجباً شرعياً، إضافةً إلى كونه واجباً إنسانياً ووطنياً وصولاً إلى المفاهيم والثقافات المعاصرة التي تجعل قيام قطاع الأعمال بهذه المهام من المسؤولية الاجتماعية لهذا القطاع تجاه المجتمع والوطن. ويجيء الحديث عن هذا الموضوع في هذه الأيام متزامناً مع إطلاق عدد من المنصات الوطنية للتبرعات والأعمال الخيرية وآخرها منصة «إحسان» والتي انطلقت خلال الأسبوع الماضي حملة وطنية للتبرع لها، استهلها خادم الحرمين الشريفين –يحفظه الله- بالتبرع بمبلغ عشرين مليون ريال، ثم ولي العهد الأمين –يحفظه الله- الذي تبرع بمبلغ عشرة ملايين ريال، ثم سمو وزير الداخلية –يحفظه الله- بخمسة ملايين ريال، ثم تتابعت تبرعات الأفراد والمسؤولين ورجال الأعمال لتتجاوز خلال أيام معدودة عتبة أربعمائة مليون ريال تقريباً، بعد أن ضربت القيادة للمواطنين القدوة والمثل في كل أعمال الخير، إضافةً إلى ما تخصصه الميزانية العامة للدولة من دعم للمنظمات والجمعيات الخيرية في بلادنا والتي يبلغ عددها الآلاف من الجمعيات والتي تنتشر في كافة مناطق المملكة، وتشمل أعمالها وأنشطتها العديد من المجالات التي أخذت شيئًا فشيئًا تتوجه نحو التنمية الاجتماعية للفئات المحتاجة بعد عقود طويلة اتسم فيها عملها بالمساعدات المباشرة العينية والمادية، وهذا التوجه التنموي كما هو معروف يقوم على تنفيذ البرامج والأنشطة في مجال التدريب والتأهيل المهني وإيجاد فرص العمل لأبناء هذه الأسر، أو إعطائها القروض والمنح المسيرة لإنشاء المشاريع الصغيرة والخاصة بها والتي تتحول بهذه الأسر من الاتكال إلى الإنتاج بما يؤديه ذلك من الإحساس بالكرامة والفاعلية والقيام بدور في المجتمع يعزز احترام الذات. وقد تعاظم دور القطاع الخيري في ظل الظروف الاقتصادية التي يشهدها العالم واكتسب أهمية أكثر مع اجتياح كورونا لدول العالم وآثاره الاقتصادية الموجعة في كثير من المجتمعات، مما تطلب مضاعفة دور هذا القطاع وجهوده في مواجهة آثار الجائحة الاقتصادية والنفسية علاوة على المخاطر الصحية؛ ونتيجة لتعاظم هذا الدور ووجود هذا العدد الكبير من الجمعيات، إضافةً إلى الدور الإغاثي التي تقوم به المملكة في الدول الشقيقة والصديقة التي تتعرض للأزمات المعيشية والإنسانية والكوارث من خلال مشروع الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي أسس عام 2015 م وغيره من المنظمات، فقد استدعت الحاجة المزيد من التعظيم لهذا القطاع وإيجاد الوسائل الكفيلة بتحقيق الاستدامة المالية لمؤسساته لتمكينها من تقديم خدماتها وبرامجها وتطويرها والوصول إلى أعلى مستويات التخطيط والتنظيم والجودة والشفافية وحوكمة المنظمات الخيرية، وتحفيز المتبرعين والداعمين على دعم المشاريع والبرامج، والحرص على توفير قاعدة البيانات اللازمة لمعرفة أهمية هذه المشاريع والحاجة إليها، وكذلك إجراء الدراسات التي تبين جدوى هذه المشاريع واحتياجاتها التمويلية، مما يضمن لها النجاح في تحقيق أهدافها والقيام بدورها الذي عنيت به رؤية المملكة 2030 بل واعتبرته مكملاً لجهود الدولة في التنمية الوطنية الشاملة وواحداً من أدوات تحقيقها؛ من أجل ذلك تم إنشاء العديد من المنصات منها وقفي والمنصة الوطنية للتبرعات وإحسان وغيرها للنهوض بهذا العمل، وتنسيق جهوده ومساعدته من خلال تقديم البيانات والمعلومات ونشر المشاريع على هذه المنصات والدعوة لتمويلها مما سيسهم في إقبال المواطنين على دعمها -بإذن الله-، وهو ما ظهرت بشائره إثر تبرع خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد -يحفظهما الله- والقادم -إن شاء الله- أجمل ويحمل الكثير من البشائر -بإذن الله-.
Fahad_otaish@