n مع إعلان السعودية خضراء، بدأ البعض ينسج لنفسه الكثير من الآراء وفقا للمعلومات، التي تراكمت في ذاكرته عبر السنين. لا يهمه نوعها ودقتها ومدى صحتها. الجميل أن تطفو الأسئلة بسبب هذه المبادرة، وقد بدت للبعض أنها خيال يستحيل تحقيقه، في ظل حقيقة ندرة المياه في بلدنا رعاها الله، التي شغلتني طوال العقود الماضية.
n السؤال الذي تكرر طرحه على شخصي: هل يمكن تحقيق هذه المبادرة البيئية الطموحة في ظل ندرة المياه، التي أتحدث عنها في كتبي وكتاباتي؟ تلقيت هذا التساؤل بزخم كبير، بحكم التخصص وكتاباتي الوفيرة حول الماء والبيئة.
n قبل الإجابة أود التمهيد بالقول إنه فيما مضى وعبر التاريخ، كانت التحديات تقف عثرة في وجه تحقيق الطموحات والآمال. ورغم ذلك وفي ظلها وفرض سيطرتها وهيمنتها، استطاع أجدادنا رحمهم الله، التغلب على قساوة وقعها عليهم، فحققوا الانتصار المستدام.
n انتصارهم على التحديات البيئية حجز لهم جزءا من تاريخ البقاء في أقصى الظروف البيئية قسوة وجفافا وجلافة. وذلك بما حصدوه وبذكاء وفطنة من مخزون المهارات المنتقاة والفاعلة عبر القرون. جعلهم هذا في وضع السلامة، ومكنتهم في الأرض، ليحققوا ما أسميته (حضارة الرمق الأخير).
n إن الخروج عن مقومات حضارة الرمق الأخير مهلكة حقيقية، وذلك في ظل غياب الإمكانات وغياب مقومات العلم والعلوم بفعل الفاعلين من الأعادي المعروفين. لم يجد أجدادنا سبيلا لتحقيق سلامتهم غير حضارة التعايش مع البيئة وفق شروطها ومتطلباتها وقسوتها. هذا التعايش حقق لهم انتصار استدامة الوجود والحياة، وكان هذا الحد الأدنى الذي سجل لهم البقاء، وهذا كان انتصارا في حد ذاته، وله أدوات ووسائل فاعلة.
n ماذا يعني ذلك الطرح السابق؟ يعني أن وجودنا على أرضنا الجافة، ليس وجودا عشوائيا، لكنه وجود بمعايير بيئية منتقاة ومنتخبة، جعلت الحياة مستدامة، في أعتى وأقسى وأصعب الظروف البيئية، حتى مع ظروف سيادة الجهل وانتشاره، وهنا مربط الفرس كما تقول العرب. وتلكم ملحمة الآباء والأجداد البيئية المجيدة عبر التاريخ.
n بالذكاء البيئي استدام وجودهم على هذه الأرض المباركة. نجحوا بفلسفة بيئية عميقة ذات رؤية ورسالة، قد يراها البعض محدودة ومتخلفة، لكنها عظيمة بما حققته من أهداف أهمها استمرار الحياة، حيث شكلت خصوصية المكان عبر الأجيال.
n بتلك الخصوصية أسسوا حضارة الرمق الأخير، التي أعني بها إستراتيجية التعايش في ندرة الموارد، وصعوبة الحصول عليها. حضارة الرمق الأخير تمثل قدرة الإنسان على البقاء، في جميع أنواع الظروف القاهرة للحياة، معتمدا على نفسه ومهاراته وما تجود عليه البيئة من موارد محدودة ونادرة، تفرض نفسها وتأثيرها لتشكل الخط الفاصل بين الحياة والموت. ويستمر الحديث بعنوان آخر.
@DrAlghamdiMH