عشت بينهم وعايشتهم لعدة سنوات وفي عدة مؤسسات، ورغم اختلاف الوجوه والأسماء والشخصيات، إلا أنهم يحملون نفس الخصال والسمات، إنهم الموظفون المبادرون، الذين تحركهم روح المسؤولية تجاه نجاح المؤسسة. شمسهم لا تعرف الغروب، وحدودهم تجاوزت أسوار المباني وأوقات العمل، تدفعهم مكائن «حب ما تعمل واعمل ما تحب» لينسجوا معمارية العطاء بإحسان ممدود وإتقان مشهود. تتزاحم لديهم الطموحات ولا يوقفهم ترقب الحوافز والمكافآت، فهم يعملون دون توقع مقابل بتحفيز أنفسهم ذاتياً، وكذلك المبادرة تطوعياً. يملكون طاقة حاضرة، ووجوهاً ناضرة وروحاً إيجابية عالية، آمنوا أن «لكل إنسان وجودا وأثرا، ووجوده لا يغني عن أثره، ولكن أثره يدل على قيمة وجوده»، فخرجوا من مربع التباهي بالأعمال السطحية الصورية إلى ميدان الإنجازات الواقعية والبصمة المجتمعية، وسَمَوا على المصاعب والتحديات فكراً وعلماً بما يملكون من خبرة تراكمية ومكتسبات مهارية ومخازن معرفية. وعلى ضفاف آخر تجد من الموظفين مَنْ هو مغمور بالسلبية، أينما حل يتذمر وينتقد وكأن الحلول انتهت، ولم يعد للمستقبل نور، فتراه يبث في الفريق سموم التشاؤم ويثبط العزائم. وأذكر عندما بدأت رحلتي الوظيفية كنت مثابراً ونشطاً، وكان هناك موظف يراقبني دائماً، ويقول «لا تجهد نفسك ففي نهاية العام كلنا سواسية». في بداية الأمر، قلت في نفسي هذا من أعداء النجاح، وعندما تقربت لمعرفته لم أصدق أنه كان أفضل الموظفين، ثم تهاوى الأداء لديه بطريقة دراماتيكية نتيجة اتساع الفجوة بين تميزه الوظيفي والنظام التحفيزي في المؤسسة. وعلى النقيض، كنا ذات يوم في زيارة لتقييم أداء أحد المستشفيات الرائدة، وكان يرافقنا نائب الرئيس التنفيذي، الذي أبهرنا بمعرفته الشمولية والعميقة لجميع الأعمال في كل المجالات، فسألت الرئيس التنفيذي عنه، فابتسم وفاجأني بقوله: قبل ثلاث سنوات كان أحمد يعمل موظف استقبال، وبعطائه المستمر وأفكاره المبتكرة تدرج سريعاً حتى هذا المنصب. وهذا ما يؤكد أهمية دور القادة الأصيل في الحفاظ على ذلك النبع غير الناضب، واستثمار هؤلاء الموظفين المبادرين المعطائين وتمكينهم بالأدوات اللازمة، وتأهيلهم وتحفيزهم الدائم وبناء الأنظمة المرنة، التي تحل القيود عنهم وتُعبّد طريقهم. وذلك معطوف على تهيئة بيئة العمل لتكون حاضنة للكفاءات الشغوفة لكي يدفعوا عجلات المنشأة للسبق التنافسي والخروج من عقبة الشيخوخة المؤسسية وقالب منهجيات الماضي إلى تقنيات الحقبة الجديدة بتوظيف رغبتهم المتجددة للتجديد. ليس ذلك فحسب، بل لا بد من إعادة توزيعهم في أوعية مستويات الهيكل التنظيمي لرفع هرمون الإيجابية ونشر عدوى المبادرة بين زملائهم وجعلها جزءاً من ثقافة المنظمة وحمضها النووي.
ختاماً أقول إننا على أعتاب نهضة شاملة غير مسبوقة ومستقبل واعد احتفلنا قبل أيام بمرور خمسة أعوام على الوثب تجاه تحقيقه، أبطاله هم سواعد الحلم السعودي، الذين آمنوا بدور عقولهم ومبادراتهم في رسم ملامح الصورة المنشودة، وأنهم شركاء المنجزات الحضارية والطموحات التنموية، هم فرسان السبق والتطوير وحلفاء الازدهار والتغيير، هم الذين ارتكز عليهم سمو ولي العهد عندما قال: «بعون الله ثم بعزيمة أبناء الوطن، سيفاجئ هذا الوطن العالم من جديد»، فعندما تجدوهم... اظفروا بهم... فقد ربح البيع.
@azizmahb
@azizmahb