منذ تقهقر الحضارة العربية عام 656 للهجرة الموافق 1258 ميلادي بسقوط الخلافة العباسية، والأمة العربية مكوِّن تابع للدول الأعجمية، التي أحاطت بها وحكمت الشرق الأوسط، وجعلت أمتنا مجرد تابع مهمش، ينهشه الفقر والجوع والجهل، وحظيرة للتجنيد الإجباري لحروبهم ومحارقهم مع الأمم الأخرى، فيُزَج بأبناء العرب فيها لتنسب انتصارات تلك الحروب لقادة جيوشهم، الذين يرتدون الحرير والثياب المطرزة بالجواهر والأزرار المذهبة والعمائم المزخرفة حتى قامت الدول العربية الحديثة لتحفظ كرامة العرب وترد اعتبارهم التاريخي.
وكان الغرب قد اهتم بالأمة العربية كاهتمامه باستعمار أفريقيا واستنزاف ثرواتها؛ إذ كان الرجل الغربي الأبيض يحرص دائماً على فهم الإنسان العربي والدين الإسلامي ليس لبناء جسور علاقة متوازنة مع العرب وإنما لإيجاد الوسائل، التي تشرذم المشرذم وتفتت المفتت، وليتعرف على الكيفية التي يخلق بها العداء المذهبي والقبلي والجغرافي، فالمستشرقون الغربيون هم في حقيقتهم جواسيس مثقفون؛ فإذا ما استعرضنا كتب التاريخ والرسومات والمروِيّات ونقولات المستشرقين فقلما تجد تاجراً أو رجلاً غربياً في الأسواق والحواضر العربية إلا ومعه الصليب والإنجيل وهو يدقق في الشؤون الاجتماعية والسياسية والدينية ويرفع التقارير الاستخباراتية، خلاف تاجر التوابل الصيني قليل الكلام عديم الفضول، الذي يأتي ليبيع تجارته الجيدة، ويقبض ثمنها ويغادر بسلام، ولا يحاول التطفل على المجتمع أو نبش خفاياه ليوظفها بصورة مضرة بالبنية الاجتماعية والدينية.
فلا نأتي بجديد إن أشرنا إلى الضرر، الذي تسبب به الغرب للمجتمعات العربية عبر محاولاته الدائمة فرض نظامه الأسري المحطم على الأمة العربية تحت عنوان «الحرية والاستقلال»، وإساءته للدين والمتدينين والمتدينات في محاولة منه لنقل نموذج الإنسان الغربي إلينا، كما أنه لم يحاول قط نقل صناعاته ومهاراته العلمية للعرب، بل نقل لنا فكرة الإلحاد واحترام المثلية والتنافر بين الذكر والأنثى، وإسقاط الحكومات العربية والتمرد عليها كنوع مشوش من أنواع الثقافة والحرية، وأغرق الغربيون أوطاننا بما يسمونه الربيع العربي، وغزوا العراق، وسمحوا بسقوط سوريا في يد إيران، وتغاضوا وما زالوا عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وشوهوا سمعة نظامنا القضائي العادل، وأظهروا سجوننا، التي توازي فنادقهم فخامة وكأنها سجن أبو غريب أو معتقل غوانتانامو.
لذلك ولكل هذا وغيره مما لا يسعه المقال؛ فبصفتي إنساناً عربياً مسلماً ومواطناً سعودياً أفضِّل أن أتعامل مع تاجر التوابل الصيني، الذي يخدم الحركة الاقتصادية ويغادر بسلام دون أن يحدث فوضى اجتماعية أو نفسية أو سياسية كالتي ينتهجها الرجل الأبيض.... فمرحباً بتنين الاقتصاد الصيني في الوطن العربي.
@falkhereiji