وتقول المتخصصة في التاريخ الحجازي الحديث والمعاصر د. إيمان كيفي: ظهرت مهنة «المسحراتي» منذ القدم، ومرَّ التسحير خلال التاريخ بمراحل عدة كان لكل منها طابعها المتميز، وكان لكل بلد إسلامي طريقته الخاصة في إيقاظ الناس لتناول السحور، فالتذكير بالسحور موجود منذ عهد الرسول (عليه الصلاة والسلام)، وكان التسحير في مكة المكرمة يتولاه المنادون، فيصعدون أعلى جبل أبي قبيس وينادون بالسحور، ويستمرون في قراءة القرآن الكريم حتى يحل وقت الإمساك.
ذكر جميلوأضافت: ثم ظهرت شخصية المسحراتي التقليدية في العقد الأخير من القرن العشرين، ومهمته الخروج كل ليلة من ليالي رمضان المبارك حاملًا معه طبلة صغيرة مثل الدف، يضرب عليها بعيدان صغيرة بوقع خاص، ويقف تحت كل منزل وينادي أصحاب البيت بأسمائهم، ولم يكن للمسحراتي أجر معلوم أو ثابت، غير أنه يأخذ ما يجود به الناس صباح يوم العيد كل حسب قدرته، وبسبب توافر الكهرباء في المنازل والشوارع، وكذلك توافر وسائل حديثة لإيقاظ الناس من ساعات وخلافه، ولم يبق له أثر سوى الذكر الجميل.
وظيفة غائبة
وتحدث الشاعر والناقد د. سعد الرفاعي، قائلًا: كانت هناك حاجة ماسة من قبل إلى المسحراتي لإيقاظ الناس لوجبة السحور قبل أن يمسكوا عن الطعام والشراب، ولكن الآن بدأت هذه المهنة تتلاشى؛ ورغم أنها ما زالت موجودة في كثير من الدول، فإنها مع ذلك تعاني خطر الاندثار؛ لأن الناس أصبحوا يسهرون حتى الصباح ولا حاجة إلى من يوقظهم، وأعتقد أن مهنة المسحراتي قد تزول كما زالت الكثير من المهن والوظائف الأخرى التي انتهت الحاجة إليها.
تراث حياتيوأكد أنه حتى لو انتهت الحاجة إلى المسحراتي، فإنه سيبقى جزءًا من تراثنا الحياتي الذي يدل على الممارسات الحضارية لأمتنا العظيمة، مشيرًا إلى أنه في الإمكان المحافظة على وجود المسحراتي من خلال المحافظة على التراث نفسه، وعندئذ قد تبقى كمهنة تراثية في مناطق معينة، لكنها لن تعود كوظيفة ما لم تكن هناك حاجة ماسة إليها.