أيام عذبة، أيام هادئة، أيام مريحة، لأيام رمضان روحانيتها وأجواؤها المستثناة، تتوق لها نفوس الصغار قبل الكبار، أيام تحفها الرحمة ويغشاها السكون، رغم مشقة الصيام والحرمان إلا أن لهذه المشقة قبولها في النفوس الصائمة، فمنذ عقود ارتبط في أذهاننا اقتران الصيام بالصبر والقدرة على التحمل، عن الطعام والشراب وفلتات اللسان، لكن هل الصبر والتحمل وجهان لعملة واحدة؟ هل حقا يتمتعان بذات المعنى؟ يرجح الغالبية أنهما لفظان مترادفان، وينسبهما البعض لبعضهما كبديلين في سياق الجملة ذاتها، فكلاهما يرمزان لقوة الشخص، ويعكسان ثبات الفرد، ويعبران عن ضبط النفس، لكني أرغب بالوقوف الفعلي على جوهر الاختلاف الدفين بينهما، فوفقا لتعريف قاموس أكسفورد، فإن التحمل يعني: التعايش مع الألم والمشقة، بمعنى القدرة التي يمتلكها أحدهم للتجاوز، للمضي قدماً، مستعيناً بالأمل ومتبصراً بالقادم الجميل، كقدرة الفرد على تحمل ضغط العمل، تحمل ظروف حياته القاسية، تحمل صعوبة تمارينه الرياضية، تحمل النفقات التي على عاتقه، ومن المؤكد أن القدرة على التحمل تختلف من شخص لآخر، من عالية إلى منخفضة إلى شبه معدمة، يقول سبحانه في كتابه: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) سورة البقرة (286)، فهنا إشارة مثبتة على أن القدرات تختلف من شخص لآخر. أما عن معنى الصبر فنجد قاموس أكسفورد يعرّفه بأنه: القدرة على قبول التأخير والمتاعب بهدوء، فالقدرة هنا ليست مجردة، بل مقترنة بالقبول والرضا والتسليم، تحمل لا يشوبه تذمر ولا شكوى، تحمل لا يفسده سخط ولا غضب، تحمل متزين بالهدوء والسكينة، تحمل يحمل في باطنه صوراً عن التسامح والغفران، تحمل لا يبنى فقط على قوة جسدك أو عقلك، بل يرتكز على القوة في أعماق روحك وقلبك، صبرٌ لا يورث العداء ولا الانتقام، صبر يطمح للجميل دائما، كصبر المؤمن على الصيام، وصبر الأم على الأطفال، وصبر المعلم على التلميذ، صبرا لا يرى إلا النتيجة، والنتيجة وحدها كفيلة بإنهاء كل تأخير أو تعب، وقد ورد ذكر الصبر في القرآن الكريم أكثر من 100 مرة، ارتبطت بعضها بمعية الله، وبعضها بالحسن من الصفات كالتقوى والذكر والتوكل، وأخيراً بالجائزة الكبرى في قوله تعالى: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) سورة الإنسان (12)، فالحياة تمضي بنا على زورق، تختبرنا تارة بمدها وتارة بجزرها، تعصف من حولنا رياحها، وتهتز من تحتنا أمواجها، والقوي مَنْ يقوى الثبات على هذا الزورق، ويحتمل الصعوبات، ويصبر على التقلبات، لينقذ نفسه من الهلاك، ليصل إلى شاطئ أمانه، وينعم بثمرة تحمله وصبره وإيمانه، يقول الأديب والشاعر المصري مصطفى المنفلوطي في كتابه (النظرات) «إن أكثر ما يصيب الناس من شقوة إنما يأتي من طريق الأخلاق الباطنة، لا من طريق الوقائع الظاهرة»، واستنادا على قوله هذا أن كل ما يضاد الصبر قد يسبب للمرء شقاءه، كالجزع والاستعجال والتبرم والجبن والخوف والهلع، وكلها أمور داخلية المنشأ عند الإنسان، وإصلاحها يأتي أولاً من الداخل، ونستطيع أيضاً القول إن السعادة تأتي من الأخلاق الباطنة لا من طريق الوقائع الظاهرة، كالصبر والتحمل والجلد والحلم والتريث والتعقل، وكسابقتها نجدها داخلية المنشأ، فالإنسان يحمل في معجمه ما يحب من الصفات مستحبة كانت أو مذمومة، لها الدور الأكبر في ترجمة مواقفه الحياتية وتحليلها وعيشها بناء على ما حوى.
تويتر/ms_marom1990