وقد نويت وأنا أتوجه إلى الاستديو لتسجيل اللقاء أن أتعاون مع الطرف الآخر بقدر الإمكان لننتج للمشاهدين مادة إعلامية سياسية واقعية تعينهم على فهم الذي يحدث، وتعينهم بصورة أكبر على فهم بعض أبعاد الصراع اليمني الأهلي.
وفي تقديري الخاص، وبحسب رؤيتي للسؤال العريض للندوة وهو يتمحور حول: «أسباب عدم النجاح الأمريكي والدولي الأممي في وقف الصراع في اليمن» أرى أنه ليس هناك سبب واحد في الحياة لأمر ما، فهناك غالبا للصراعات الأهلية، والإقليمية، والدولية أكثر من سبب، ولعل هذه الرؤية تؤكدها المقولة التاريخية، التي تذهب إلى أنه بالإمكان تحديد اللحظة، التي نعلن فيها أي حرب، لكن من الصعب تحديد الساعة، التي تتوقف فيها تلك الحرب، كما تذكرت مقولة أخرى تؤكد أن أصعب النهايات هي صناعة نهاية للأعمال الروائية، وبنفس القدر صناعة النهاية لأي حرب.
وتأسيسا على ما سبق، وانطلاقا من مقاربة الوضع في اليمن يمكن البداية الانطلاق من الدائرة اليمنية الأولى، التي تعكس لدى أغلب المراقبين حالة من الخيبة لغياب صوت يمكن أن يكون صوت الشارع، وصوت الناس، والنخب المثقفة، والمسيسة على مدى أكثر من عقد، وتلك المتحزبة، التي كان لها نشاط سياسي ونضالي كيف غاب كل ذلك واستطاعت جماعة لا تشكل نسبة ذات بال ضمن النسيج الاجتماعي، والسياسي اليمني مصادرة كل هذه القوى، التي كنا نحسب أنها تأسست وتكونت عبر الحقب السياسية والتاريخية من عمر اليمن الحديث، يمن الدولة، والجمهورية.
الدائرة الثانية، التي يمكن للباحث، والمراقب تفحصها للاقتراب من هذا السؤال المتعلق بالأزمة اليمنية ينطلق من الدائرة الإقليمية، وما تحتويه من صراعات بين القوى الإقليمية، التي تقف في خندقين: الخندق الأول، وهم المدافعون عن عروبة المنطقة، واستقرارها، ودفع عجلة التنمية فيها، تقود هذا المحور المملكة العربية السعودية وشقيقاتها من دول التحالف العربي، الذي يقف مع الشرعية ومع حقوق اليمنيين في دولتهم المستقلة وغير الخاضعة للوصاية غير العربية الإقليمية بحجة الولاء العقدي، وخرافات أخرى كثيرة تبثها تلك القوى وهي معروفة للجميع.
وهذه القوة الإقليمية تملك سيطرة قوية على القرار السياسي الحوثي، الذي لا يتقن شيئا من فنون السياسة سوى رفضه غير المفهوم للشرعية الدولية، وللأمم المتحدة، وللدول العظمى والفاعلة في مجريات السياسة الدولية. هذا العقل لقن بنفايات فكرية أخطر من النفايات النووية، التي تسعى قوة إقليمية غير عاقلة، وغير حكيمة لتلويث المنطقة بها. البعد الآخر في هذه المقاربة السياسية العسكرية يكمن في الدور الدولي، خاصة للقوة الأمريكية، التي سعت عبر الإعلان على الأقل منذ قدوم الرئاسة الجديدة فيها إلى السعي لإيقاف الحرب في اليمن، ونصبت في وقت لاحق مبعوثا أمريكيا إلى جانب المبعوث الدولي للسلام في اليمن، ويبدو أن المبعوث الأمريكي الأخير تأثر بمسيرة الفشل، التي مُني بها المبعوث الأممي، الذي لم يستطع خلال كل هذه الفترة إقناع هذه الميليشيا ما دون الدولة بأنهم سبب موت اليمنيين اليوم.
قد يقول البعض إن للولايات المتحدة حساباتها الخاصة، وللاتحاد الأوروبي كذلك مواقفه الخاصة المرتبطة بمصالح دوله، التي تتحين تحققها حتى عبر الصراعات. ولكن مثل هذه المقولات لا تعطي التفسير الكامل، والمقنع لطبيعة مواقف هذه القوى من حالة العجز أمام ميليشيا تتغذى عسكريا من الخارج وتقتل اليمنيين في الداخل.
وتطالب بأمور لا يمكن الإمساك بها في عالم السياسة مثل ترديدهم الدائم أنهم يبحثون عن سلام حقيقي!! الحقيقة الكبرى، التي وضعتها الرياض أمام الجميع هي أنها فوضت الأمم المتحدة لإجراء ترتيبات وقف الحرب، وتنظيم الشؤون المرتبطة بذلك، لكن الطرف الإرهابي يخشى أن يفقد دوره إن حل السلام، ويخشى أن تضحي به القوى الإقليمية عندما تحقق مصالحها على حسابه، وعلى حساب دماء أهل اليمن.
salemalyami@