قلنا في المقال السابق إن حديث سمو ولي العهد حول الرؤية بمناسبة خمس سنوات على إطلاقها لا يمكن الإلمام بدلالته، ومحاولة فهم ما وراء السطور خلال مقال أو اثنين أو حتى أكثر من ذلك، وإنما هو محاولة يعيننا فيها ما حمله العنوان هو أن الرؤية بعد هذا الحديث غدت أكثر وضوحاً بالنسبة للكثيرين ونحن منهم، ومع ذلك بالتأكيد وكما أسلفنا في المقال السابق، فإن الحديث عن مقابلة سمو ولي العهد حديث ينبغي أن يطول في محاولة للوفاء بما يستحق من الأهمية، والسعي ليس لقراءته قراءة متمعنة فقط، بل وقراءة ما وراء الكلمات والسطور وما بينها، وهو أمر يحتاج إلى صفحات وصفحات، وسبر ما وراء الجمل والعبارات والحروف، فما بالك إذا كان الحديث عن الرؤية بأجمعها وبرامجها في الصحة والتعليم والصناعة والتمويل، وحتى البيئة والغطاء النباتي، وكل المجالات الكفيلة بتحقيق جودة الحياة، التي هي في مقدمة أهداف الرؤية، ومع ذلك فإن إجابة سموه عن السؤال الأهم وهو: لماذا الرؤية؟ هي إجابة ينبغي ألا يغيب الاطلاع عليها وفهمها على كل مواطن، لأنها كفيلة بأن تجعل تحقيق الرؤية هماً وغاية وهدفاً لا يتمنى المواطن تحقيقه فقط، بل ويعمل بكل حماس ودافعية للقيام بدوره في تحقيقها لأسباب بسيطة أولها أن الرؤية لم تكن لتطلق إلا من أجل أن يستمر الجيل الحالي من المواطنين السعوديين والأجيال القادمة في المستقبل في العيش الكريم، والمحافظة على المكتسبات التي حصل عليها، بل وتحقيقه المزيد منها، وذلك لن يكون إلا وفق ما سعت إليه الرؤية، بحيث يكون لدى بلادنا استثمار للموارد المتاحة في كل المجالات، وليس القطاع النفطي فقط بما يكفل الاستدامة المالية للميزانية، التي تكفي لتحقيق هذه الغاية مركزاً على دور صندوق الاستثمارات العامة في هذا المجال، الذي سيكون وفق الرؤية جهة الإنفاق الأولى في السوق السعودي وسيزيد دوره حتى عن دور ميزانية الدولة في هذا المجال. ويظل من المهم أن نقول إن المؤشرات التي تم تحقيقها خلال خمس سنوات من عمل الرؤية مبشرة جداً، خاصة أن بعضها تجاوز المستهدف في نهاية الخطة بعد خمس سنوات فقط من انطلاقها والحمد لله، كما هو في مجال الإسكان مثلاً وأمكن بذلك رفع السقف المستهدف الوصول إليه مما يدل على أن رؤية المملكة 2030 هي رؤية ثاقبة، وهي مرحلة من رؤى أكبر وأطول مصداقاً لإجابة سموه عن السؤال: ماذا بعد 2030م بقوله: 2040م، ونحن بكل ثقة نردد وراءه و2050 وأكثر وأكثر -بإذن الله-، ونؤكد في جميع الأوقات أن المواطن، الذي تهدف الرؤية إلى رفاهيته وراحته وعيشه حياة كريمة هو أيضاً من أهم أدوات تحقيقها، والمنتظر من المواطن، خاصة بعد هذا الوضوح في أهداف الرؤية، وهذه البشائر بما تحقق منها حتى الآن أن يكون -كما قال سمو ولي العهد- شريكاً في تحقيق الرؤية وبكل ثقة وحماس واقتناع. وإضافةً لذلك كله، فقد كان حديث ولي العهد شاملاً للعديد من القضايا المهمة الأخرى، التي تؤكد تماماً صواب الرؤية وشمولها سواء عند الحديث عن قضايا البيئة ومن أبرزها النمو، الذي تحقق في مساحة الغطاء النباتي خلال السنوات الخمس الأولى من الرؤية بنسبة بلغت 40% زيادة على المتوقع أو تخصيص بعض المشروعات بعد اكتمالها والتحقق من نجاحها، وكذلك الحديث عن مستقبل النفط والصناعات النفطية، خاصة التحول بحصة من النفط الخام إلى الصناعات الكيماوية، التي تؤدي إلى تضاعف العائد المالي للبرميل الواحد عدة مرات، وكذلك عن مشاريع أرامكو المستقبلية الأخرى، ودورها في دوران عجلة الاقتصاد الوطني وتعظيم الموارد المالية للدولة، ومقارنة استدامة الموارد النفطية للمملكة وعمر مدة الإنتاج مع العديد من الدول المنتجة الأخرى للبترول، التي يتناقص فيها الإنتاج بمعدلات ملحوظة فيما تستطيع المملكة حسب إجماع المحللين والمختصين المحافظة على مستوى الإنتاج الحالي إن لم يكن أكثر لمدة أطول -بإذن الله-، وكذلك حديث سموه عن قطاع السياحة ومساهمته المتوقعة في الاستدامة المالية لموارد الدولة وعن مكافحة البطالة من خلال خلق ثلاثة ملايين وظيفة متوقع توفيرها في هذا القطاع حتى عام 2030م منها مليون وظيفة للسعوديين ومليونان لغيرهم يمكن عودتها فيما بعد لصالح المواطنين من خلال عمليات الإحلال المنظمة وإعداد المواطنين وتدريبهم لإشغال هذه الوظائف.. كل هذه البشائر التي حملها حديث سمو ولي العهد، وغيرها الكثير ستوقد الهمم وتذكي العزائم لنشارك جميعاً في صناعة المستقبل، الذي نتطلع إليه ماضين لتحقيقه وراء قيادة مخلصة تملك رؤية واضحة وتعرف أهدافها بكل ثقة وإيمان واطمئنان -بإذن الله-.
Fahad_otaish@