فالذين قاوموا المستعمر وقادوا الثورات كان المحرك الأساسي لدوافعهم هو رفع الظلم والعدوان والانتصار للحرية ورفض الذل والهوان عن مجتمعاتهم، وقد كانت هذه السمات والصفات جزءا من القيم الإسلامية التي ظلت تتوارثها الشخصية العربية الإسلامية، وتتمثلها في سلوكها الاجتماعي والثقافي والسياسي، وهناك الكثير من الشخصيات العربية التي أصبحت أيقونات مضيئة في سماء الكرامة الإنسانية، من بينها المجاهد الليبي عمر المختار (1858- 1931) الذي قاد الثورات طيلة عشرين عاما ضد الاحتلال الإيطالي.
من بينها أيضا الأمير عبدالقادر الجزائري رمز المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار والاضطهاد الفرنسي. «فقد اكتسب الأمير عبدالقادر احترام العالم كله وأعطى صورة نموذجية للمسلم الذي يدافع عن وطنه ويعمل من أجل بناء بلاده وتقدمها ويتسامح مع أصحاب الأديان الأخرى».
كذلك عبدالكريم الخطابي المناضل المغربي (1882- 1963) فقد «كان رجلا سياسيا وقائدا عسكريا مغربيا من منطقة الريف وقائدا للمقاومة ضد الاستعمارين الإسباني والفرنسي للمغرب». وكان ملهما حقيقيا لحركات التحرر في العالم وأيقونته التي أثرت على الكثيرين ومن بينهم جيفارا.
من الشخصيات أيضا إبراهيم هنانو (1869- 1935) الزعيم السوري الذي قاوم الغزو الفرنسي «وكان أحد قادة الثورة السورية على الاحتلال الفرنسي لسورية ولبنان. وكان في بداية ثورته قد جمع أثاث بيته وأحرقه» معلنا الثورة وقال جملته المشهورة «لا أريد أثاثا في بلد مستعمر».
هذه مجرد نماذج من بين نماذج كثيرة، سطرت أروع القصص والبطولات في مقاومة المستعمر في تاريخنا العربي المعاصر، ولم تأت هذه الشخصيات من خلفية حزبية أو إيديلوجية مؤطرة بعقائد وشعارات، كانت تقاوم بروح القيم التي تربى عليها وورثها الفرد المسلم من جيل إلى آخر. وكانت المقاومة لا تشكل عقدة في الانفتاح على الآخر، ولا إلغاء له أو التعصب ضده مثلما هو الحال عليه الآن من خطابات سياسية إسلامية وخطابات علمانية يسارية تخلو من هذه القيم التي تجسدت في حياة هؤلاء المقاومين وفي خطاباتهم.
إنها أشبه بقطيعة بين تاريخين، فهل يكفي القول بالسبب بعد ذلك كما يشير المفكر مهدي المنجرة إلى أن تلك الأنظمة ساهمت في إفراز هذه النماذج والخطابات؟ قد يكون ذلك سببا مهما بالتأكيد. لكنه ليس الوحيد، ثمة مجموعة من العوامل ساهمت وما زالت في توسيع الفجوة بين هذين التاريخين، فالأول منسي في أدراج التاريخ والآخر مهيمن على الواقع العربي الحالي، من بين هذه العوامل القائمة: الفقر والأمية والتفاوت الاجتماعي وغياب الحريات وهدر الثروات في مشاريع لا تعود في إنماء الإنسان العربي وتطوره تقنيا وعلميا.
هذه عوامل قد تتحمل السلطة السياسية جانبا كبيرا منها. لكن لا يمكن إغفال العامل الخارجي، فالمنطقة العربية لم تستقر منذ الحرب الخليجية الأولى ومنذ الحادي عشر من سبتمبر. والأحداث المتتالية جعلت من الصعب التنبؤ أين نحن متجهون؟ لكن استرداد الإسلام التحريري من أرشيف تاريخنا المعاصر ووضعه إزاء هذا الإسلام المنغلق هو إحدى المهمات التي تقع على هذا الجيل الذي يريد أن ينفتح على العالم ويحافظ في نفس الوقت على حريته وكرامته وموروثه، فقد قال غرامشي «علينا أن نعتمد على عقلانية التشاؤم، وتفاؤل الإرادة».
[email protected]