سؤال محوري متشعب يسائلني إياه الفنجان صباح كل يوم. من أنا؟ هل أنا أنا؟ أم أنا هم؟ هل أنا ما أردت أن أكونه أم أنا ما أرادوا هم أن أكون؟ هل أنا صانع نفسي أم أنا نتيجة لبرمجة المجتمع؟ هل أنا اسمي وقبيلتي وعاداتي وتقاليدي أم أنا في الحقيقة أتجاوز ذلك لأكون شيئا جوهريا لا يراه الكثير؟
في خضم فوضى الأيام التي تتوالى علينا بصعابها وتحدياتها في العمل والبيت والشارع العام، ووسط مخلفات ما توارثناه من جيل لجيل، أصبح من الصعب علينا إدراك حقيقتنا أو رسالتنا على هذه الأرض. كل منا يعيث ويسرح بعيدا بحثا عن كل الطرق التي ستمكنه من الحفاظ على الماديات التي حصل عليها. يجاهد من أجل إرضاء الآخرين والحفاظ على سمعة عائلته وقبيلته، وقبل الإقبال على أي شيء عليه أن يتأكد من مدى تقبل محيطه.. صحيح أن كل واحد منا هو نتيجة لمجموعة من التفاعلات الفردية والمجتمعية، لكننا علينا أن ندرك أن كل هذه الأمور هي سطحية وأن حقيقتنا تكمن في أمور أخرى تسكن جوهر كل واحد فينا. فحقيقتنا موجودة خلف كل الأدوار التي أوهمنا بها المجتمع. هي فضاء لا محدود فيه قوة روحية خلاقة، تلهم وتعيش شغفها وتضفي على الكون جمالية أكثر...
وقليل من استفاق لهذه الحقيقة وأدرك أنه وجد ليعطي ويعيش الوفرة على كل المستويات، وليعيش في الخيرات التي أنعم عليه بها رب العالمين، وقليل من تيقن من وجود اتصال وثيق بين كل أفراد ومكونات هذا الكون وقليل كذلك من آمن بأن الله سخر له هذا الأخير لخدمته، والدليل قال تعالى: «وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه».. ولا شك أن من وصل إلى هذه الخبايا تيسرت له الحياة وعاش فيها شغفه، وترزق منه وبلغ به أحلامه وطموحاته. ومن لم يفكك هذه الشفرة عاش تعيسا يرى مكانه من خلال الخريطة، فيبدو له ضيقا لا يسع نملة.. أن تكون أنت يعني أنك تعيش في نسخة قريبة إلى جوهرك، قد لا تناسب الآخرين لكنها تناسبك أنت لأنها لا تشبه أحدا سواك. وخضوعنا للبرمجة الاجتماعية التي تجعلنا نقدس الأصنام من الأفكار المغلوطة التي يروج لها باسم الدين والفرض والواجب والعادات والتقاليد، غالبا ما يبعدنا عن هذا الاختيار.
alharby0111@