وتعد الدولة الوطنية الركيزة الأساسية للقانون الدولي، ومحور اهتمامه، فمبادئ ومواثيق القانون الدولي قائمة للحفاظ على الدولة الوطنية في إطار من السلمية والتعاون الدولي المشترك الذي يضمن رقي الإنسان، ويوفر له الحياة الكريمة السوية؛ لذا ينبغي إعادة تصنيف مفهوم الدول والأمم المتحضرة «المتمدنة» في القانون الدولي من خلال إحلال معيار احترام الدولة لكينونة وجوهر الدولة الوطنية، وامتثال قيمها ومبادئها من سيادة واستقلال واحترام متبادل، وتجنب هدم الدول أو احتلالها أو تهديد أمنها محل معايير القوة الاقتصادية والعلمية ونوع المدرسة القانونية في هذا الوقت الذي تتعرض فيه كل تلك القيم والمبادئ لتهديد حقيقي من نموذج الدولة الدينية (الثيوقراطية) غير الوطنية.
ومنعا للّبس؛ ليس المقصود الدولة التي تحترم الدين أو تراعي قيمه وأحكامه، بل الحديث هنا عن الدول التي تعتقد أنها يجب أن تحكم الأمم والأوطان والدول الأخرى لأن الله تعالى منحها هذا الحق، وأن الاحتلال والقتل في سبيل ذلك جائز ومباح إنفاذا للأمر والنص الإلهي المقدس لديها، وهنا أتحدث بلا شك عن دولتين دينيتين هما إسرائيل وإيران؛ إذ تؤمن الدولتان بنصوص دينية تخرجهما من مفهوم الدولة الوطنية إلى مفهوم الهيمنة والتوسع والطغيان والتمدد خارج نطاق حدود الدولة الوطنية الطبيعي تحقيقا لرؤيتين دينيتين تؤمنان بصحتهما، وتخولانهما فعل جميع المحرمات وصولا إلى وطن مقدس لا حدود له بزعم أن ألواحهما المقدسة ومرجعياتهما الدينية قد بشرت به، ونص عليه دستوراهما، ونادى به برلماناهما الشعبيان.
ولهذا فمن المهم إعادة تصنيف الدول المتحضرة وغير المتحضرة في المفهوم الفقهي خدمة لمفهوم السلام القانوني والعدلي وذلك بإخراج إسرائيل وإيران من قائمة التمدن الأممي القانوني والعدلي، بحيث لا تعد المبادئ القانونية التي أقرها القضاءان الإيراني والإسرائيلي من ضمن مبادئ الأمم المتمدنة التي يمكن للمحاكم الدولية الرجوع والاستناد إليها لأنها نتاج قضاء دولتين غير متحضرتين ومعاديتين لقيم الدولة الوطنية؛ فعقائدهما وسلوكياتهما العدوانية تخالف فكرة التمدن القائمة على قيم التعايش المشترك، واحترام سيادة واستقلال الدول، وكرامة الأمم الحرة المستقلة.
قراءة فقهية خاصة آمل أن تكون نقطة نور في تطوير مفاهيم القانون الدولي العام.
@falkhereiji