لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فلا يصل المؤمن إلى منزلة الصبر الجميل إلا بعد أن يستخدم أدواته العقلية والعاطفية التي رزقه الله تعالى بها. فالأدوات موجودة في كل إنسان، ولكن يكمن الاختلاف في كيفية اكتشافها والبحث عنها في الذات أولا. وكذلك، في كيفية استخدامها وتوظيفها وكيفية معادلتها ليتم التوازن فيما بينها.
وفي ظاهر الصبر قد تكون النهاية والاستسلام لمن يجزع أو يقنط من رحمته تعالى. ولكن تختلف نظرة المؤمن في كيفية توظيف الصبر في نفسه ليكون بداية رحلة القرب إلى الله تعالى ومحبته. وللصبر مراحل، أعلاها هو الصبر الجميل الذي يستلذ المؤمن بحلاوة عبادة خالقه من خلال الحكمة والتأمل وتدبر الأمور في القضاء والقدر. ينعم الله على عبده الصبور بنعم عظيمة تواسي أحزانه وهمومه، فيستطيع المؤمن أن يرى رحمة الله تعالى به ومحبته له في أقداره ليشكر الله ويكثف عبادته له فتهون عليه المصائب بأنواعها.
ومن قصص الأنبياء والرسل، نتعلم ونتعظ من الدروس التي تدفع المؤمن إلى اتخاذ المسارات الصحيحة قدوة بالأنبياء والرسل عليهم السلام. على سبيل المثال، نبينا يعقوب وابنه يوسف -عليهما السلام- تعددت المصائب وانهالت الاتهامات وتراكمت الهموم حتى جاء الفرج من السماء ليعطينا الله تعالى دروسا محكمة تعيننا في هذه الحياة.
وكأن الله تعالى، يعلمنا من خلال قصة يوسف وأبيه -عليهما السلام- أن الخير الثقيل والمكافأة العظيمة لا بد لها من التأخير. لأن تأخير الفرج للمؤمن المحتسب فيه من الخير الكثير، فللتأخير حكم جمة ومنها تهذيب النفس أولا وتطهيرها من الذنوب التي ولربما تدنس أو تعطل الخير لا سمح الله. وأيضا، فإن من حكم تأخير الفرج هو شعور المؤمن بحاجته إلى الله تعالى. فشعور الحاجة بالنسبة للإنسان يتراوح بين الألم والنقص، بينما شعور الحاجة بالنسبة للإنسان المؤمن هو بمثابة السعادة والطمأنينة.
وهنا يتعلم المؤمن من رحلته، الحكمة وتهذيب العقل والقلب وضبط النفس والتحكم في رغباتها بميزان مرن يتوافق مع كل زمان ومكان.
FofKEDL@